تعرف الاضطرابات السيكوسوماتية على أنها الاضطرابات الجسدية الناشئة عن اضطرابات انفعالية أو عاطفية، والتي يحدث فيها تلف لأحد أعضاء الجسم أو خلل في وظائف الأعضاء المرتبطة بالجهاز العصبي السمبثاوي و البراسمبثاوي نتيجة اضطرابات انفعالية مزمنة، وفي هذه السلسلة سنتعرف أكثر على هذه الاضطرابات التي لا تزال مجهولة عند العامة بسبب قلة التوعية في مجال الصحة النفسية.
من الناحية التاريخية نجد أن هذه الأمراض قد تم التكلم عنها في مواضع كثيرة، فمثلا لدى القدماء نجد أفلاطون تكلم عن فكرة أنه لا يمكن فهم الجسد إذا فصلناه عن النفس، وأشار أيضاً إلى أن لأفكار الإنسان تأثيراً كبيراً على سلوكه، كما أن ديكارت تكلم عن فكرة أن حقيقة الإنسان مؤلفة من الجسم والنفس، بحيث لو جرح الجسم فإن النفس ستتداعى له بالألم.
و يشير التطور التاريخي لمفهوم “سيكوسوماتيك” إلى أن استخدامه علميا يرجع إلى هينروث( 1818 ) مؤكدا في استخدامه استقلالية الكلمتين نفس وجسد، ثم عاد فيليكس دوتش لاستخدامه في عام 1922 لاغياً تلك الاستقلالية ومتكلما عن النفسجسدي معاً عوضا عن النفسي والجسدي، وفي فرنسا سنة 1946 أدخل ديلي هذا المصطلح وعرَّفَه بأنه حركة طبية فكرية تهدف إلى تجاوز طب الأعضاء إلى نظرة كلية، أي التركيز على كل من الجسد والنفس في الإصابة بمختلف الأمراض، ونجد أيضا بيار مارتي قد توسع في ذلك كثيراً من خلال نظرية قائمة بذاتها في السيكوسوماتية.
إن الاضطرابات السيكوسوماتية هي اضطرابات جسمية مألوفة للأطباء والتي يحدث فيها تلف في جزء من أجزاء الجسم أو خلل في وظيفة عضو من أعضائه نتيجة اضطرابات انفعالية مزمنة نظرا لاضطراب حياة المريض، والتي لا يفلح العلاج الجسمي الطويل وحده في شفائها شفاءً تاما لاستمرار الاضطراب الانفعالي وعدم علاج أسبابه.
يشير كل من استنهورت و راجرانت إلى أن “المرض السيكوسوماتي يظهر عندما يتعرض الفرد لموقف مضطرب أو ضاغط فيستجيب على المستوي الفسيولوجي ،حيث يُنَشِّط الضغط الانفعالي الجهاز العصبي المستقل (اللا ارادي) مسببا تناوبا في الوظائف كزيادة الإفرازات ،زيادة التنفس…الخ، والتي إذا كانت حادة، فإنها يمكن أن تؤدي إلى تغيرات في بناء الجسم مثل قرحة المعدة ،الربو الشعبي…إلخ، ويمكن أن يكون الفرد واعٍ بما يصاحب الاستجابة النفسية أو يكون غير واعٍ بها، وبذلك تتميز الاضطرابات السيكوسوماتية بأنها رد فعل فسيولوجي جسمي ضخم ناتج عن اضطراب سيكولوجي، إذن فهي اضطرابات تحدث في وظائف جسم الكائن الحي بسبب عوامل بيئية تسبب القلق والصراع والتوترات، و حلقة الوصل بين الجانب النفسي والجانب الجسدي هو الانفعال الذي يعتبر بمثابة طاقة أو شحنة تحرك حياة الإنسان عامة.
وفي الواقع هي اضطرابات منتشرة في كل المجتمعات الإنسانية، إلا أن نسبة انتشارها قد تختلف من مجتمع لآخر تبعا لظروف كل مجتمع، ولو ألقينا نظرة على أوضاع المجتمعات العربية نجد أن الأمر قد لا يختلف كثيراً، خاصة إذا ما عرفنا أن كافة البلاد العربية قد تعرضت في الخمس عقود الماضية ،وما زالت تتعرض في الوقت الحاضر لنفس الهموم والأزمات والضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتغيرات البيئية، ففي الدراسات التي أجراها أبو النيل في مصر عن الأمراض السيكوسوماتية أشار فيها إلى أن بعض كبار الأطباء في مدينة القاهرة يقدرون نسبة انتشار هذه الاضطرابات بنسبة 50 % من بين مرضاهم، وهي في التقدير الإحصائي في أوروبا وأمريكا لا تقل عن هذا الرقم إن لم تتجاوزه.
المصادر:
1-حسن مصطفى عبد المعطي: الأمراض السيكوسوماتية، مكتبة دار الشرق، القاهرة، 2003.
2-احمد عكاشة: الطب النفسي المعاصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1984
3-ريحاني الزهرة: العنف الأسري ضد المرأة وعلاقته بالاضطرابات السيكوسوماتية، مذكرة لنيل شهادة الماجيستير في علم النفس المرضي الاجتماعي، الجزائر، 2010.
التدقيق اللغوي : إيمان دياب