لعلّنا جميعا سمعنا القول المأثور <<الزمن يشفي من الجروح>>، يرى ماثيو ووكر أن الوقت الذي نمضيه أثناء نومنا هو الذي يشفي الجروح، ولكي نفهم ذلك علينا أن نعلم شيئا عن فيزيولوجية النوم.
تتفق الدراسات العلمية على أن النوم يمر بحدثين رئيسيين من حيث نشاط الدماغ، في الحدث الأول يدخل الدماغ في نوع من الإسترخاء والنوم العميق بحيث نطلق عليه مرحلة انعدام حركة العين السريعة (NREM)، أما في الحدث الثاني فنجد أن نشاط الدماغ يكون مثل حالة اليقظة مع تحرك العينين تحت الجفنين يمينا ويسارا وهو ما نسميه بمرحلة حركة العينين السريعة (REM)، وهي المرحلة التي تحصل فيها الأحلام، وأثناء هذه المرحلة يشهد المخ حدثا غريبا حيث يشهد تركيز مادة النورأدرينالين في الدماغ المرتبطة بالتوتر و الشدة النفسية انخفاضا، بحيث يمكن القول أنها الفترة الوحيدة في اليوم التي يخلو فيها المخ من هذه المادة وذلك تزامنا مع نشاط المناطق المرتبطة بالإنفعالات في الدماغ، فالذي يحصل هنا هو تنشيط الذاكرة الإنفعالية في غياب القلق و التوتر، وهذا يصل بنا لاستنتاج أن الدماغ أثناء مرحلة REM يعيد معالجة التجارب المزعجة في الذاكرة في ظل بيئة حلم هادئة وهذا سبب استيقاظنا بشعور أفضل صباحا بعد يوم مزعج، فلو استحضرت الآن حدثا مزعجا حصل لك أثناء الطفولة ستتذكره، لكن لن تشعر بنفس الشحنة الإنفعالية التي شعرت بها في الطفولة وهذا لأنه تم نزع تلك الشحنة من خلال فترات النوم التي قضيتها، وفي محاولة لتأكيد الفرضية درست كارترايت محتوى أحلام أناس مروا بإجهاد نفسي عقب طلاق أو انفصال فوجدت أن الأشخاص الذين يحلمون بشكل واضح بتجاربهم المؤلمة التي أعقبت الحدث هم الوحيدون اللذين زال عنهم الإجهاد.
لكن ماذا لو تعطلت آلية REM ؟ لن يستطيع الفرد التخلص من الشحنة العاطفية للتجربة فتحصل أعراض إعادة المعايشة أي تبقى أحلام الصدمة تتكرر يوما بعد يوم، فعندما لا يتخلص الدماغ من الشحنة في اليوم الأول يكرر نفس الحلم في اليوم الثاني ثم الثالث وهكذا.. وفي الحقيقة هذا ما يحصل لدى مرضى اضطراب ضغط ما بعد الصدمة (PTSD) اللذين يشكون من الأحلام المزعجة يوميا، أما عن سبب تعطل آلية REM عندهم فيرجع إلى إفرازهم الشديد لمادة النورادرينالين أثناء صدمتهم بحيث لم يستطع الدماغ التخلص منها أثناء مرحلة REM كما يحصل في الدماغ العادي، وهنا حصل الإكتشاف الجميل مع موراي راسكيند الذي كان يعالج ضغط الدم لدى مرضاه من المحاربين القدامى بعقار برازوسين (Prazosin) فتفاجأ لما قال له مرضاه: << دكتور لم تعد الكوابيس المتكررة تحصل معي>>. و لما أراد التعرف عن سبب ذلك وجد أن هذا الدواء لديه تأثير جانبي يتمثل في خفض مستوى النورادرينالين في الدماغ، وبهذا أصبح عقار “برازوسين” دواءا معترفا به رسميا في معالجة الكوابيس الناتجة عن اضطراب ضغط ما بعد الصدمة، و للعلم فإن حركة العين السريعة التي تحصل أثناء النوم تشكل الإطار النظري لنظرية شابيرو حول علاج الصدمة النفسية عن طريق حركة العين (EMDR).
تدقيق لغوي:إسماء كعبوب
المصادر :
Matthew Walker (Why we sleep) 2017, Scribner, New York, USA