الهيدروجين ،الأكسجين ،الذهب والفضة عناصر مألوفة بالنسبة للجميع. تتواجد جميعها في الطبيعة بكميات مختلفة، وتتميز عن بعضها بخصائص فريدة. لكن هل تساءلت عن كيفية تشكل هذه العناصر ومصدرها؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعود إلى بداية كل شيء: الانفجار العظيم، أي قبل 13.8 مليار سنة من الآن، وبعد أن بَرُدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية البروتونات والنيوترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم (تكون ذرة الديوتيريوم والتريتيوم ناتجة عن تصادم بروتونات ونيوترونات بسرعة كبيرة جدًا وتتغلب على التنافر بين النيكليوتيدات (البروتونات والنيوترونات )، فتصبح القوة المهيمنة هي القوة النووية الكبرى التي تربط بين عناصر النواة وتمنعها من التفكك). هذا بالنسبة إلى أول عنصرين، لكن ماذا عن باقي العناصر؟ من أين جاءت؟
حسنًا بعد أن برد الكون، أخذت الجاذبية في سحب العناصر المتشكلة سالفًا، ثم التأمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية لتُكوّن النجوم والمجرات، حيث أن الهيدروجين يمثل 77% أما الهيليوم 23% (قبل بداية التفاعلات النووية). بعد أن تسحب الجاذبية ال H و He، ونتيجة الضغط الشديد بسبب كتلة الغاز الهائلة، تبدأ سلسلة من التفاعلات النووية مطلقة طاقة هائلة تولد حرارة النجم العالية، وتسمح لبقية التفاعلات النووية (اندماج) بالحدوث. تمر هذه التفاعلات بثلاث مراحل؛ في المرحلة الأولى، يتحد بروتونان من نواتي هيدروجين أو يندمجان معًا، وفيها يتحول أحد البروتونين مباشرة إلى نيوترون في عملية تعرف ب (تفكك بيتا). يكوِّن هذا النيوترون مع البروتون الآخر نواة لنوع من الهيدروجين يسمى الديتريوم. وفي المرحلة الثانية من تفاعل البروتون ـ بروتون، تجذب نواة الديوتيريوم بروتونًا آخر لتصبح نوعًا خفيفًا من الهيليوم. في المرحلة الثالثة، تتحد نواتان من الهيليوم الخفيف لتكونا نواة هيليوم عادي. وعندما يندمجان، ينطلق منهما بروتونان. ويكون لنواة الهيليوم الناتجة بروتونات ونيوترونات. وعلى ذلك فإن تفاعل البروتون ـ بروتون يحول أربعة بروتونات إلى نواة هيليوم واحدة. غير أن نواة الهيليوم تحتوي على مادة أقل قليلًا مما كانت تحتويه البروتونات الأربعة منفصلة. فبعض المادة التي تكونت منها البروتونات الأربعة قد أصبحت هي الطاقة التي تشعها الشمس.
وهناك تسلسل آخر من التفاعلات النووية، ينتج طاقة شمسية أقل قليلاً مما ينتجه تفاعل البروتون ـ بروتون. وهذه التفاعلات تكون بحسب كتلة النجم. وفي هذه الدورة تضاف مقادير من البروتونات إلى نويات كل من الكربون والنيتروجين والأكسجين. ويتحول الكربون إلى النيتروجين، ويتحول النيتروجين في بعض الأحيان إلى أكسجين، ولكنه غالبًا ما يتحول إلى كربون، وهكذا دواليك، إلى أن نصل إلى عنصر الحديد، وذلك لأن اندماج عنصر الحديد لا ينتج الطاقة الكافية لاستمرار التفاعلات الاندماجية، تتغلب قوى الجاذبية على الضغط المتولد في باطن النجم ، هذا الأخير يتقلص وينهار على نفسه نحو المركز الذي يتركز فيه الحديد، ويؤدي هذا الانهيار إلى ارتفاع هائل في درجة حرارة المكونات التي تتفاعل منتجة نيوترونات ونيوترينوات بغزارة، مما يتسبب في انفجار بصورة مستعر أعظم. فالحديد يمتلك أعلى طاقة ربط بالنسبة للنيك ليون، فإنه عوضًا عن توليد طاقة في تفاعل الاندماج، ستخسر الشمس الطاقة لتوليد هذه العناصر (مثال: دمج التريتيوم والديتيريوم ينتج طاقة، أما دمج أنوية لتشكيل اليورانيوم أو البولونيوم … يستهلك طاقة )
ولهذا السبب لا تنتج الشمس العناصر الأثقل من الحديد، حسنًا، من أين أتت العناصر الثقيلة؟ هناك مقولة شهيرة لـ كارل ساجان (نحن مكونون من بقايا النجوم)، أي أن جميع العناصر الموجودة في أجسامنا وفي الطبيعة من النجوم، فالعناصر الأثقل من الحديد تتكون من انفجار هذه النجوم بما يعرف بـ المستعر الأعظم (supernova ). حيث بعد دمج العناصر من الهيدروجين إلى الحديد الذي يتواجد في قلب الشمس، لا توجد قوة كافية لدفعه على الاندماج، رغم هذا ونتيجة الضغط الشديد تندمج الإلكترونات والبروتونات مشكلة نيوترونات بعدها ينهار النجم على نفسه مسببًا انفجارًا هائلًا (سوبر نوفا)، والذي يشكل بقية العناصر الثقيلة.
مصدر الصورة: http://science.howstuffworks.com/supernova.htm
فكيف وصلت هذه العناصر إلى الأرض؟ نتيجة لقوة الجاذبية، تشكلت النواة الصلبة للأرض نتيجة اصطدام العناصر الثقيلة وارتباطها مع بعضها، حيث شكلت المركز، بينما شكلت العناصر الأقل كثافة القشرة الأرضية، وجذبت الجاذبية بعض العناصر الخفيفة مشكلة الغلاف الجوي الأول لكوكبنا العزيز.