اللسانيّات علم يُعنى بالدراسة المنهجيّة للغة. يُمكن أن تدرس اللغَة كظَاهرة ثقافيّة تَربط النّاس معًا أو تُقسمهم. ويُمكن أيضًا أن تُدرس كأداة للتفاعل الاجتماعي، أو كوسيلة فنيّة. كَما يُمكن تَناول اللغة من المنظور التاريخي، حيث يتم البَحث عن العلاقات بَين اللغات، وكيف تغيّرت اللغات مع مُرور الوقت. وفي المُقابل، يوجد مَنهج يعتبر اللغة مثيرة للإهتمَام لأنّها مُنتج مُنظم ومُتاح للعقل البشري. وعلى هذا النحو توفّر اللغة السبيل لدرَاسة طبيعَة الفكر الذي يَنتج عنها.
ما المقصود بالنحو التوليدي؟
يَسعى اللغويّون العَاملون في إطار القَواعد النحوّية إلى تطوير نظريّة عامة تكشف عن القواعد والقوانين التي تحكم بنيّة لُغات معيّنة، وكذا القوَانين والمبادئ العامّة التي تُنظّم جَميع اللّغات الطبيعيّة. وتشتمل المَجالات الرئيسيّة للدراسة على علم الأصوات (دراسة أنماط الصوت)، علم التشكل (دراسة بنية ومعنى الكلمات)، النحو (دراسة بناء الجملة)، وعلم الدلالة (يعنى بدراسة المعنى اللغوي).
ويُعرف النحو التوليدي على أنّه مجموعة محددة من القَواعد، والتي يَكون نتاجها فقط كل جمل اللغة -أي اللغة التي يُولدها. هناك العديد من النحو التوليدي، بما في ذلك القواعد التحويليّة، كما وُضعت من قبل نعوم تشومسكي في منتصف خمسينات القرن الماضي. ولا يُميّز النحو التوليدي فقط بين الجُملة النحويّة للغة من التسلسلات غير النحوية للكلمات من نفس اللغة؛ بل إنّه يُوفر أيضًا وصفًا بنيويًا، أو تحليلًا نحويًا، لكل من الجمل النحوية. إنّ الأوصاف البنيويّة التي يوفرها النحو التوليدي تكون قابلة للمقارنة وعلى نحو أدق مع التحليلات التي تنتج عن الممارسة التقليدية المتمثلة في تحليل الجمل من حيث أجزاء الكلام.
و من السمات المُميزة للنحو التوليدي الرأي القائل بأنّ البشر لديهم “كليّة لغة” فطريّة، وأنّ المَبادئ العالمية للغة البشرية تعكس الخصائص الجوهريّة لهذه الكليّة اللغوية. يكتسب الأطفال في تعلم لغاتهم الأم قواعد معينة تحدد صوت ومعنى الكلام في اللغة. تتفاعل هذه القواعد مع بعضها البعض بطُرق معقدة، ويكون تعلم النظام بأكمله نسبيًا في وقت قصير مع جهد قليل إلى منعدم.
وأكثر تفسير معقول لنجاح متعلمي اللغة البشريّة هو امتلاكهم لإمكانيّة الوصول إلى مجموعة شديدة التقيد من المبادئ التي لا تتطلب منهم أو حتّى تسمح لهم بدراسة العديد من البدائل من أَجل تبرير تركيب معيّن. في المُقابل، فهي تحد منها إلى عدد قليل من القواعد التي من خلالها يمكن الاختيار -إذا لزم الأمر-، دون الحاجة إلى الإستدلال. وبما أنّه لا يوجد دليل على أنّ المبادئ المحددة لفئة القواعد والنظم يتم تَعلّمُها، فإنّه يُعتقد أنّ هذه المبادئ بمثابة الشرُوط المُسبقة لتعلم اللغة، وتُشكل جزءًا من القدرة الفطريّة لكل طفل عادي. وعلى ضوء ذلك، فإنّ المبادئ التي نُحاول اكتشافها هي جزءٌ من الذخيرة الوراثية لجميع البشر. ممّا يعني أنّ فهم و استيعاب هذه المبادئ ضروريّ لفهم التركيب العقلي للنوع البشري.
بعد صياغة واسعة للقواعد النحويّة لمُختلف اللغات، أصبح ممكنًا التساؤل عن نقط التشابه والاختلاف بين جميع اللغات. وبالتالي، فالجهد الكبير من جهودنا (المهتمين بالنحو التوليدي)، مكرس لدراسة التفاصيل اللغوية (على سبيل المثال وليس الحصر، العبارة العروضية في اللغة الكورية)، والهدف النهائي ليس مُجرد فهم هذه التفاصيل فقط، ولكن استخدامها كجسر لفهم كليّة اللغة البشريّة عمومًا.