صدر في سنة 2016 فيلم بعنوان “دماغ مشتعل/Brain on fire”، وهو سيرة ذاتية لـ”سوزان كاهلان” التي شخصت على أنها مصابة بالفصام، ذلك قبل أن يستطيع الطبيب “سهيل نجار” من إكتشاف العيب الفيزيولوجي في دماغ المصابة و يعالجه.
إستطاع العلم الحديث أن يتوصل إلى العديد من التفسيرات فيما يخص العلاقة بين النفس والجسد، كان آخرها ما توصلت له دراسات عديدة، أبرزها دراسة “Andrew Miller” من جامعة “Emory” حول علاقة الإكتئاب بجهاز المناعة، حيث لوحظ لدي المكتئبين الذين لا يستجيبون لمضادات الإكتئاب، أن لديهم مستوى إستجابة مناعية (inflammation) عالية، فأثناء العمل المناعي تفرز مادة “cytokine”، لكن عند البعض تبقي موجودة حتى بعد تلاشي الخطر أو بدون وجود الخطر أصلاً، ولم يجد الباحثون تفسير ذلك إلا بإجراء التصوير الدماغي، أين لوحظ أنه عند التعرض لضغط نفسي فإن المناطق المتوهجة في الدماغ هي نفسها التي تتوهج عند التعرض لألم جسدي، وبالتالي فالدماغ يتبني طرق متشابهة في التعامل مع الألم، سواء كان نفسي أو جسدي.
لكن ما علاقة ذلك مع ما تعودنا أن نسمعه من علماء النفس من أن الإكتئاب سببه الحرمان في الطفولة أو صدمات ..؟ تفسير ذلك هو أن الطفل عندما يكبر في بيئة مليئة بالمشاكل، يحاول دماغه التكيف مع ذلك بإفراز متكرر للمواد المناعية التي تجهز الشخص للإعتداءات المتوقعة، وتؤثر هذه المواد علي النواقل العصبية كالدوبامين والسيروتونين مسببة أعراض الإكتئاب، وهذا ما يوضح لنا التفسير التطوري المحتمل لعلاقة المناعة بالإكتئاب، فالإنسان الأول كانت محاربته لأجل البقاء السبب الأهم للضغط، فعند التعرض للحيوانات المفترسة وبمجرد ما يدرك الدماغ الخطر ينشط القلب والجهاز العضلي وكذا جهاز المناعة؛ وذلك كي يستطيع أن يحضّر نفسه للهجوم الذي من المحتمل أن يُحدث جرحاً ما، بحيث أنه عند حصول الجرح تكون المواد المناعية مفروزة، وقد تطورت هذه المواد لتقوم بمهام أخري، وهي إعطاء الأمر للدماغ كي يقتصد في الطاقة بأن يكرس الجسم كل طاقته للشفاء، وذلك بأن يجبره على الخضوع للراحة عن طريق إحداث شعور التعب، وبفقدان الشهية التي تجعله لا يتناول الطعام صعب الهضم الذي يجعل الجسم ينفق طاقة في هضمه.
هذه النتائج جعلت الباحثين يتسألون: بما أن الإكتئاب سببه الإلتهاب، فلماذا لا نستعمل مضادات الإلتهاب للتعامل مع الإكتئاب؟ وفعلاً وبداية من عام 2016 بدأ باحثون في المستشفى الجامعي في برلين بإستعمال المضاد الحيوي (minocylcine) لمعالجة الإكتئاب على عينة تجريبية، لكن الأمر لازال بحاجة لمزيد من الدراسات لتحديد العلاج الأنجع.
المصدر :
هنا
هنا
هنا
تدقيق لغوي: مراد بدر