يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من متلازمة التعب المزمن، لكن هذا المرض كان مربكًا وغامضًا لعصور، ولا زال ليس بمقدورنا تشخيصه جيّدًا، فما بالك بإيجاد علاجٍ ناجعٍ له.
لكن الآن، قد استطاع العلماء تقصي مجموعة من العلامات البيولوجية التي لها علاقة بالمتلازمة، وهذا يعتبر إنجازًا هائلًا، لأنّه يعني أنّ إيجاد تحاليل دم لتشخيص المرض بات يلوح في الأفق.
متلازمة التعب المزمن (والذي يسمى أيضًا بـ myalgic encephalomyelitis) هي واحدةٌ من أكثر الحالات الطبيّة المرضية المحيّرة، أعراضها الرئيسية مستمرة، تعب غير مبرر يظل لشهورٍ أو حتى أعوام، ويمكنها أن تكون معيقة إلى حدٍ بحيث ﻻ يمكن للشخص فعل أيّ شيء غير الإستلقاء.
أكثر من مليون أمريكي وحوالي 2.6% من التعداد السكاني العالمي يعاني من متلازمة التعب المزمن، لكن المدى الواسع من الأعراض المبهمة التي تسببها هذه المتلازمة جعل من الصعب جدا دراستها، حتى أنّه يؤدي إلى التفكير الخاطئ على أنّه مشكلٌ نفسي، وليس “مرضا حقيقيا”.
والأشخاص الذّين يعانون من متلازمة التعب المزمن يملكون في العادة أعراض متذبذبة للأنفلونزا وآلام الجسد، ممّا دفع العلماء إلى التساؤل عن إمكانية وجود حلقة وصل مع الجهاز المناعي أو الإلتهاب.
إنّ ما جعل التشخيص صعبًا هو النتائج المحيرة التي يستعملها أطباء العلامات البيولوجية النموذجيين لإيجاد الإلتهاب، حيث تكون غير مرتفعة دائمًا عند المصابين بمتلازمة التعب المزمن، وفحص الدم يميل إلى الخروج بنتائجٍ متناقضة، فلا نحصل بهذا على اختبار تشخيصي لائق.
لكن يوجد حوالي 100 علامة بيولوجية يبحث عنها العلماء، خاصة إذا نظروا إلى المركبات المتدخلة في التحكم بالالتهاب، هذه العلامات تدعى “السيتوكين” بروتينات صغيرة تتدخل في بعث إشارات إلى الجهاز المناعي.
بوضع هذا في الاعتبار، باحثون من جامعة ستانفورد الطبية ذهبوا للبحث عن ملف تحليل دم أكثر شمولا، فوجدوا أنّ 17 “سيكوتين” له علاقةٌ بخطورة متلازمة التعب المزمن.
دقق الفريق في عينات دم 186 شخصًا مصابًا بمتلازمة التعب المزمن ثم قارنوهم بدم 388 شخصًا صحيًا، وذلك بالنظر تحديدًا في مستويات 51 “سيتوكين” مختلف يخوض في الدم.
واحدٌ فقط من هذه السيتوكينات –عامل نمو الورم بيتا- تبيّن بأنّه يكون بمستوياتٍ أعلى عند المرضى بمتلازمة التعب المزمن مقارنة بالضوابط، لكن عندما قام الباحثون بتحليل بيانات خطورة ومدة المرض، وجدوا بأنّ 17 “سيتوكين” يمكن استعماله لتقصي الحالة.
يوجد في الأشخاص الذين حملوا المتلازمة لمدةٍ أطول وبأعراضٍ أكثر خطورة، عدد أكبر من السيتوكينات التي تسبح في مجرى الدم.
من بين تلك الـ17 سيتوكينا التي حددّها الباحثون، 13 منها معروفة بكونها تُعزز الإلتهابات، فهي نقطةٌ إضافيةٌ للنظرية القائلة بأنّ التعب المزمن مرض إلتهابي -فقط أنّنا لم نستطع تشخيصه بشكلٍ صحيح بعد-
“لقد وُجد قدرٌ كبيرٌ من النزاع والغموض حول متلازمة التعب المزمن حتى وإن كانت مرضا حقيقيا” حسب ما يقوله الباحث “مارك ديفيس” من جامعة ستانفورد.
“تُظهر نتائجنا بوضوحٍ بأنّها (أي المتلازمة) مرضٌ إلتهابي وهي توفّر قاعدةً متينةً لاختبار دم تشخيصي”
ولم تُظهر هذه الدراسة الآن إلّا علاقة ارتباطٍ، لهذا فنحن لا نعلم بعد إذا ما كانت تلك السيتوكينات المرتفعة تساهم في الحالة أم أنّها ببساطة موجودة لأن الأشخاص لديهم المتلازمة.
لكن، على الأقل هي علامةٌ بيولوجيةٌ واضحةٌ ستساعد على إنهاء الخرافات التي تحيط بالمتلازمة.
“هذا المجال كان مليئًا بالشك والمفاهيم الخاطئة، أين يُنظر إلى المرضى وكأنّهم اختلقوا مرضهم” يقول الباحث “جوزي مونتويا” لـ أن بي آر نيوز.
“هذه البيانات تظهر بوضوحٍ غير ذلك، وتبيّن ما يمكن تحقيقه عندما نقرن بحثًا مع التكنولوجيا الحديثة”
وليست اختبارات الدم هي الوحيدة التي يستطيع مرضى متلازمة التعب المزمن التطلع إليها الآن، فالباحثون أيضًا قالوا بأنّ نتائجهم توفر إمكانية اختبار المخدرات المناعية كعلاج جديد للحالة.
وهذه النتائج الأخيرة تُنضَم الآن إلى مجموعة الدراسات الحديثة الأخرى التي وجدت علامات بيولوجية للتعب المزمن. في العام الماضي، وجد الباحثون شذوذًا أيضًا لدى الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة.
وفي وقت سابق من هذه السنة، أظهرت دراسةٌ جديدة أنّ الأشخاص المصابين بمتلازمة التعب المزمن لديهم أيضًا مستويات غير عادية من بكتيريا أمعاء معينة.
كل هذا يبعدنا عن التفكير بأن هذه الحالة الخطيرة هي مجرد مرض ‘خيالي’, فلنأمل بأن يستطيع العلماء إيجاد علاجٍ مناسبٍ لها قريبا.
المصدر: هنا