غالبًا ما يشمل التخصص الجامعي للّغات دراسة علم اللسانيات كسبيلٍ لفهمٍ أكثر عمقًا للغة، أصلها، بنيتها، ومعناها…الخ. ومع ازدياد الإهتمام بتدريس اللغات، خاصةً الأجنبية منها، كان هناك حاجة ماسة لتطبيق النظريات اللغوية المتعددة، في سعي لتحسين تعلم اللغات وتدريسها، هذا ما ساعد على ظهور علم اللسانيات (اللغويات) التطبيقية.
يشير مصطلح اللسانيات التطبيقية إلى مجموعةٍ واسعةٍ من الأنشطة التي تنطوي على حل بعض المشاكل المتعلقة باللغة، وعلم اللسانيات التطبيقية يعنى بالدراسة المنهجية لبنية اللغة، ودورها في التواصل، بالإضافة إلى مكانتها كنتاج ثقافات معيّنة. كما يهتم هذا العلم بدراسة كيفية اكتساب وتطوير مهارات المتحدثين باللغة الثانية، والبحث في كيفية تفاعل البيئة الإجتماعية أو الثقافية مع اللغة، لذا فهو يعتمد على مجموعة واسعة من النهج النظرية والمنهجية من مختلف التخصصات -من العلوم الإنسانية إلى العلوم الإجتماعية والطبيعية-. يشمل علم اللسانيات التطبيقية مجموعة واسعة من المجالات، منها:
- المفردات
- اختبار وتقييم تعلم اللغة
- إستقلالية المتعلم
- مختلف النصوص المكتوبة والمنطوقة (علم الذخائر اللغوية)
- البحوث اللغوية القائمة في الفصول الدراسية
إنّه لأمر ضروري لمعلمي اللغة والمترجمين وعلماء نطق اللغة وعلماء السمع والعديد من المتخصصين اللغويين أن تكون لهم معلومات أساسية في علم اللسانيات.
تم الاعتراف باللسانيات التطبيقية رسميًا كدورة مستقلة في جامعة ” ميتشغان “في عام 1946، آنذاك تمّ استخدام هذا المصطلح في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، كمحاولة لتطبيق المنهج العلمي لتعليم اللغات الأجنبية. حيث مكنّ العمل المبكر لتحسين تدريس اللغات الأجنبية من قبل الأستاذين ” تشارلز فراير “( Charles Fries من جامعة ميتشيغان) و” روبرت لادو “(Robert Lado من جامعة ميتشغان ثم جامعة جورج تاون) من التعريف بهذا التخصص. وفي عام 1948، قام نادي الأبحاث بجامعة ميتشغان بإصدار أوّل مجلة تظهر باسم اللغويات التطبيقية. في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات تم توسيع نطاق استخدام مصطلح اللسانيات التطبيقية تدريجيًا ليشمل ما يطلق عليه فيما بعد ” الترجمة الآلية “. في عام 1964، وبعد عامين من الأعمال التحضيرية والتي كان مجلس أوروبا مموِّلًا لها، أُنشئت الرابطة الدولية للّسانيات التطبيقية (بالفرنسية Association Internationale de Linguistique Appliquée AILA)، وعقد أوّل مؤتمر دولي لها في نانسي بفرنسا.
وعلى مدى السنوات الفاصلة، استمرت بؤر الاهتمام في الإتساع. اليوم مجلس إدارة أيلا (AILA) يصف اللسانيات التطبيقية ” كوسيلة للمساعدة في حل مشاكل محددة في المجتمع… تركز اللسانيات التطبيقية على العديد من المجالات المعقدة في المجتمع الذي تلعب فيه اللغة دورًا “. يبدو أنّ هناك إجماع على أنّ الهدف من هذا العلم هو تطبيق النتائج والتقنيات من البحوث في علم اللغة والتخصصات ذات الصلة لحل المشاكل العملية. وكان أبرز تغير في علم اللسانيات التطبيقية هو نموه السريع باعتباره مجالًا متعدد الإختصاصات. إضافة إلى تعليم اللغة الأجنبية والترجمة الآلية، أصبحت العينات الجزئية من القضايا التي تعتبر مركزية في مجال اللسانيات التطبيقية اليوم تشمل مواضيع مثل اللغة لأغراض خاصة (مثل مشاكل اللغة والاتصالات المتعلقة بمجال الطيران، واضطرابات اللغة،…الخ)، والسياسات المتعلقة باللغة والتخطيط، وقضايا اللغة ومحو الأمية. فعلى سبيل المثال، بعد اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة العمل لجميع الإتصالات الدولية لقطاع الطيران من قبل منظمة الطيران المدني الدولي (إيساو)، اهتم بعض اللغويين التطبيقيين بفهم أنواع المشاكل اللغوية التي تحدث عندما يقوم الطيارون أو مهندسو الطيران من خلفيات مختلفة بالتواصل، وذلك باستخدام لغة غير اللغة الأم، وكيفية تدريبهم بشكل أفضل على التواصل باللغة الإنجليزية بطرق أكثر فعالية.
يسعى بعض اللغويين التطبيقيين إلى مساعدة المخططين والمشرعين في البلدان على وضع وتنفيذ سياسة لغوية (على سبيل المثال، يعمل المخططون في جنوب إفريقيا على تحديد وتطوير أدوار هذا العلم في مجال التعليم… ليس فقط للغة الإنجليزية والأفريكانية ولكن أيضًا بالنسبة إلى اللغات التسعة للسكان الأصليين الآخرين)، أو في مساعدة مختلف المجموعات على تطوير النصوص، المواد، وبرامج محو الأمية للغات غير المكتوبة سابقا (على سبيل المثال بالنسبة للكثير من اللغات الأصلية البالغ عددها 850+ لغة بـ بابوا غينيا الجديدة).
اهتم علماءٌ لغويون آخرون بتطوير أكثر البرامج فعالية لمساعدة القادمين الجدد إلى الولايات المتحدة أو في بلدان أخرى، حيث إنّ كثيرًا منهم افتقر إلى تعليم مسبق، إلى جانب مساعدتهم على تعلم اللغات التي يحتاجون إليها للبقاء وللأغراض المهنية. ومن المواضيع الأخرى التي تهم حاليًا اللغويين التطبيقيين إلى أوسع نطاق، نجد دور اللغة الأم في تعليم الطلاب القادمين من خلفيات ثقافية ولغوية متنوعة، ولغة الإقناع والسياسة، ووضع وتطوير أدوات وبرامج فعالة للترجمة الشفوية، واختبارات وتقييم تعلم اللغة.
يُعتقد أنّ المدرسة الأولى للّسانيات التطبيقية في المملكة المتحدة قد فتحت في عام 1957 في جامعة “ادنبره”، كان “إيان كاتفورد” ( Ian Catford) رئيسًا لها. أمّا في الولايات المتحدة، فتأسست منظمةٌ تعليميةٌ غير ربحية في عام 1959، تحمل إسم مركز العلوم التطبيقية (كال، CAL)، و كان “تشارلز فيرغسون” (Charles Ferguson) أوّل مديرٍ لها، تتمثل مهمة كال في “تعزيز دراسة اللغة ومساعدة الناس على تحقيق أهدافهم التعليمية والمهنية والإجتماعية عن طريق تواصل أكثر فعالية”. وتضطلع المنظمة بمهمتها من خلال جمع ونشر المعلومات عن طريق مراكز تبادل المعلومات المختلفة التي تديرها، وكذا إجراء البحوث العملية، و تطوير المواد العملية، وتدريب الأفراد مثل المعلمين والإداريين أو غيرهم من المتخصصين في الموارد البشرية، لاستخدامها بهدف التقليل من العراقيل التي يمكن أن تحّد من إجادة اللغة لأفرادٍ من خلفيات ثقافية ولغوية متنوعة، وسعيا منها إلى المشاركة الكاملة والفعالة في الفرص التعليمية أو المهنية.
بالإضافة إلى المنظمة الدولية أيلا (AILA)، هناك أيضًا جمعيات وطنية رئيسية للّغويين التطبيقية، مثل الجمعية الأمريكية للغويات التطبيقية (آال، AAAL) والرابطة البريطانية للغويات التطبيقية (بال،BAAL).
المصادر: هنا – هنا – هنا – هنا