مقدمة في نظريّة النسبية العامة:
ثارت النسبية على أفكار كانت تعتبر ثوابت في الفيزياء، وهى تنقسم لقسمين: “النسبية الخاصة”، وهي ما تحدثنا عنها خلال خمس حلقات سابقة؛ والنسبية العامة التي هي محور حديثنا في هذه الحلقة.
بدايةً، ما هي النسبية العامة وما هو موضوعها؟
النسبية العامة فكره صاغها « ألبرت أينشتاين – Albert Einstein » لتفسير قوة الجاذبية وكيفية حدوثها.
ولكن، ما هي قوة الجاذبية هذه ؟
إنها إحدى القوى الأساسية المنظمة لسريان الكون والمتحكمة في نظامه الدقيق إلى جانب ثلاث قوى أخرى أساسية وهي: القوة النووية الضعيفة، القوة النووية القوية والقوة الكهرومغناطيسية.
ولكن ما هي آلية عمل تلك القوة ؟
كان أول من وضع مفهوما لقوى الجاذبية وآلية عملها هو العالم « إسحق نيوتن – Isaac Newton » الذي رأى أن الجاذبية ما هي إلا قوة تقارب أو تجاذب تنشأ بين جسمين لهما كتلة معتمدا على مقدار كتلة جسمين، ومربع المسافة بينهما تبعا للعلاقة:
ويتضح من العلاقة غياب أي دور للزمن، وبالتالي فإن قوة الجاذبية بالنسبة لنيوتن آنية لا وقت لانتقالها .
ولكن هذه الفرضية تتناقض تماما مع النظرية النسبية الخاصة، التي تقرر أن الضوء هو أسرع شيء موجود في الكون، رغم أن انتقاله غير آني بل له زمن وسرعة محددة للانتقال تقدر بـ C=3*10^8 .
وسرعة انتقال الضوء هي سرعة انتقال المعلومة ولا سرعة يمكن أن تتخطاها، ولفهم لك علينا اخذ مثال بسيط:
من المعلوم أن الزمن المستغرق لوصول ضوء الشمس إلى الأرض هو 8 دقائق وعشرون ثانية ويتم الحصول على هذا الزمن بحساب المسافة بين الأرض والشمس وقسمتها على سرعة الضوء، وبالتالي فإن سرعة انتقال الجاذبية، أي انتقال معلومة وجود قوى جذب هي نفسها سرعة الضوء؛
وبفرض أن الشمس ولسبب ما انحرفت عن مسارها، ماذا سيحدث للأرض ؟
حسنا، طبقا لنيوتن فإن الأرض في نفس اللحظة سوف تنحرف عن مسارها أيضا لأن قوى الجذب بينهما آنية .
لكن في الواقع، وبسبب وجود العامل الزمني فإن الأرض لن تنحرف عن مسارها إلا بعد مرور 8 دقائق وعشرون ثانية، وهو بالضبط الزمن اللازم لانتقال معلومة فقدان الجاذبية من الشمس إلى الأرض.
بسبب كل هذا، كان على أينشتاين أن يقوم بصياغة نظرية النسبية العامة لوضع تفسير حقيقي ومفهوم علمي لكلمة الجاذبية .
مبادئ النسبية العامة “الهدف منها إثبات أن مفهوم نيوتن غير دقيق”، وهي أربعة مبادئ :
- مبدأ ماخ،
- مبدأ التكافؤ،
- مبدأ الاحتمالات،
- مبدأ الحد الأدنى من الاقتران.
وسنكتفي بشرح أول مبدأين، وهما ما يمكن لغير المتخصص فهمهما، إذ يحتاج كل من مبدأ الاحتمالات ومبدأ الحد الأدنى من الاقتران إلى مستويات عليا وأدوات متقدمة في الرياضيات والتفاضل.
مبدأ ماخ -مبدأ فلسفي-:
حيث استند فيه أينشتاين على ملاحظات الفيسلوف « ارنست ماخ – Ernst Mach » حول دوران الدورق الممتلئ بالماء. فإذا كان الملاحظ ثابتا، وبينما يدور الدورق منتجا قوة طرد مركزية معاكسة لقوة الجذب، فإنه سيلاحظ انحناء سطح الماء للأسفل. يفسر نيوتن ذلك أنه ناتج عن قوى الاحتكاك بين الماء وبين جدران الدورق.
لكن ماذا لو كان الملاحظ هو من يدور بسرعة ما حول الدورق، بينما يبقى الدورق ثابتًا؟، حسنا إنه سيلاحظ أيضا انحناء سطح الماء للأسفل!
مما يعني، بأي حال من الأحوال، أن تفسير نيوتن للجاذبية كان خاطئا، فلماذا ينحني الماء رغم غياب قوة احتكاك في هذه الحالة؟
والخلاصة إن هذا يعني أن الأمر “نسبى” للملاحظ وأن النتيجة ليست عامّة كما في تصور نيوتن.
مبدأ التكافؤ -مبدأ فيزيائي-:
إعتمد فيه أينشتاين على مفهوم أن قوى الجاذبية لا تعتمد أبدا على كتل الأجسام المؤثرة عليها كما في تجربة جاليليو الشهيرة، ” عند سقوط ريشة وكرة حديدية سقوطا حرا في أنبوبة مفرغة من الهواء، يصلان إلى الأرض معا في وقت واحد”.
والغرض من هذا المبدأ هو محاولة إثبات أن « الزمكان – space-time » هندسي، وليس مسطحًا كما في تصور نيوتن.
ولتوضيح ذلك، لابد أن ندخل مع أينشتاين في تجربته الذهنية الشهيرة التالية :
إذ تخيل أينشتاين وجود شخص ممسكا في يده كرة صغيرة في مصعدٍ موجود في صاروخ، لكنه لا يعلم شيئا عن الخارج أو حركة الصاروخ،
وسنلقي الضوء على أربع حالات لهذه التجربة:
الحالة الأولى: إذا كان الصاروخ منطلقا إلى أعلى بتسارعٍ مساوٍ لتسارع الجاذبية الأرضية، وقام الشخص بترك الكرة حرة، فما الذي سيحدث؟
ستنزل الكرة إلى أسفل أرضية المصعد بقوة جاذبية تساوى حاصل ضرب كتلتها في تسارع الجاذبية الأرضية.
الحالة الثانية : إذا توقف الصاروخ فجأة وبدأ في الهبوط تحت تأثير جاذبية الأرض، فماذا سيحدث؟
ستتوقف الكرة في نفس مستوى الشخص وستثبت في الهواء.
الحالة الثالثة : إذا وضعنا المصعد على سطح الأرض ما الذي سيحدث؟
ستنزل الكرة لأسفل بقوة الجاذبية المساوية لحاصل ضرب كتلة الكرة في تسارع الجاذبية الأرضية.
الحالة الرابعة : إذا كان المصعد ينزل تحت تأثير قوى الجاذبية داخل نفق، ماذا سيحدث؟
ستثبت الكره في الهواء بشكل مشابهٍ للحالة الثانية.
والآن سنستخدم كرتين بدلا من كرة واحدة، وبين الكرتين مسافة:
الحالة الأولى: ستهبط الكرتان لأسفل تحت تأثير الجاذبية.
الحالة الثانية : ستثبت الكرتان في الهواء.
الحالة الثالثة : إذا كان المصعد على سطح قريب جدا من مركز الأرض، ما يعنى قوة جاذبية كبيرة جدا، سنلاحظ هبوط الكرتين مع وجود انحراف للكرتين باتجاه بعضهما البعض !
الحالة الرابعة : ستثبت الكرتان في نفس المستوى ولكن سيقتربان من بعضهما البعض.
ولكن ماذا يعنى ذلك التقارب؟! إنه يعني أن مفهوم نيوتن للجاذبية غير دقيق، فلا تفسير لذلك التقارب في مفهوم نيوتن.
لذلك، وبناءً على هذه المبادئ الأربعة، شيّد أينشتاين نظريته النسبية العامة مستخدما إثباتات رياضية وفلسفية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغويّ: Amira Bousdjira
المراجعة العلمية: ثروت الخطيب