الشَّنقُ هو وسيلةٌ بَسيطة جدًا لقَتلِ شَخصٍ مَا، كلُّ ما تَحتاجُه هو حبلٌ طَويلٌ مربوطٌ بعُقدةٍ مُناسِبةٍ وتَعليقِ الضَّحيةِ من خِلالِهِ، ولحُسنِ حَظِّ الفُضوليين المَهووسين تَبَنَّى بعضٌ من العلماء تِلك المُهمة القَاتلَة المُتمثلَة في دِراسة الشَّنق، بل إن بعضهم ذَهَب إلى أبعدَ من ذَلك من خلال تَجرِبتها بأنفسهم.
فالشَّنقُ من المَوضوعات التى تَبدو أنَّها خَارج نِطاق التَّجربة الذَّاتية، ولكن هذا لم يَردع عالِم الطِّب الشَّرعي الروماني المهووس “نيكولاي مينوفيتش” عن تَجرِبته باِكتشاف ما يَحدُث بالضَّبط للجِسم البَشري أثناء تَعليقِهِ، فقد قام بتحليل 172 عَملية اِنتحار وإعدام بالشَّنق ووَضعَ نَتائجَها في كِتابِه “دِراسَات على الشَّنق”عام (1905) في بَحثِه الطويل الذي بَلَغَت عددُ صَفحاته 238 صفحة، وتم تصنيف الكتاب وتنظيمه على تصنيفات مختلفة، بالِاعتماد على أشياءٍ متنوعة مثل أنواع العُقَد، مُحيط الحَبل وكيف كان ردُّ فعل الكثير من النَّاس على الشَّنق وجِنس الأفراد والمَكان وما إلى ذلك كما جرَّبَها بنفسه.
لم يكن طَبيبُنا الرُّوماني راضيًا عن مجرد المشاهدة وتسجيل النتائج، بل أراد أن يعرف كيف يشعُر من يَتعرض لعملية الشَّنق، فقام أولاً ببعض التَّجارُب الأَولية كان “مينوفيتش” مدركًا تمامًا للخَطر الذي تُمثِّله التِّجارُب فَقرَّرَ بَذلَ كلِّ جُهدِه وتَجربَة هذه العَملِية بصورةٍ حَقيقية ووَاقعية، فكان لَديه ميلٌ مُميز للواقع عندَ قِيامِه بتِلكَ التَّجربَة حيث طَلَبَ من مُساعِديه سَحبِ الحبل حتى تَكون أقدامُه على إرتفاع متر إلى مترين فوق سطح الأرض كما وَصَفَ “مينوفيتش” تجربتَه.
(لَقَد سَمحتُ لِنَفسي بالتَّعلُّق بالحَبل مِن سِتٍ إلى سبعِ مَرَّات لمدة تَتَراوح بين أربعٍ وخَمسِ ثوانٍ للتَّعود عليها، لا أظن أنه يُمكنني التعود على شَيءِ كهذا، فهذا الألمُ كان لا يُطاق).
كَما هو الحَال عند وصفِ التَّجارب كان يَعتذِر مِرارًا وتِكرارًا قائِلاً: (على الرَّغم من كلِّ شَجاعتي لم أَتمكن من إِجراء التَّجربة سوى لمدة ثلاث أو أربع ثواني)، واِستمرَّت التَّجارب حتى شَعَرَ مينوفيتش بالاِرتياح اتجاه النَّتائِج بعدَ اِثنتا عشرَ تجربةِ شنقٍ لنَفسِه.
إلاَّ أنَّ دِراسَةَ “مينوفيتش” وتَجربتِه الذَّاتية حَقَّقَّت قفزةً كبيرةً في هذا المجَال. ولم يَستَمر “مينوفيتش” في هذه الأبحاث والدراسات، بل صبَّ اِهتمامَه على الفن الروماني وخصوصًا الشعبي، وقام بتأسييس مُتحفٍ لايَزال موجودًا حتى الآن ، كما اِهتم بالأعمال الخَيرية ودعم الجَمعيات الخَيرية الطِّبية، وأسَّسَ أوَّل خِدمةِ إسعافٍ قام بتمويلها من مالِه الخاص.
إعداد: أمنية طاهر عبد الحافظ
تدقيق لغوي: أنس شيخ.