التّقمُّص العاطفي: واحدٌ من أكثر المشاعر الطّبيعية، ورغم ذلك، لم يَرِد ذكره في أوساط المجتمع النّاطق بالإنجليزية قبل عام 1908.
اشتُقَّ مصطلح التّقمص العاطفي من الكلمة الألمانية «Einfühlung»، وتعني التّقمص العاطفي بالمعنى الحرفي، إضافة إلى معنى آخر مدهش، وهو إظهار مشاعر المرء في الطّبيعية و الأشياء الفنيّة، وهذا معنى فيه شيء من الغرابة بالنّسبة لنا في عصرنا الحالي.
تحوّلت المشاعر-empathy بشكلٍ كبيرٍ خلال القرن الماضِي من مجرد استجابة عاطفية إلى تطلّعات أخلاقية وسياسيّة للمهارة الإكلينيكية، وحاليّا لإطلاق الخلايا العصبية بالعودة إلى أصول التّعاطف -empathy- بغرض إعادة النظر في إمكانية الشّعور بالأعمال الفنيّة والجبال أو الشّجر، وتدعونا لإعادة تخيل اتّصالنا بالطّبيعة والعالم حولنا.
وُصف التّعاطف الجمالي لأول مرة، عامَ 1870، عندما تمكّن مؤرّخا الفنون، الأب فريدريش والابن روبرت فيش، من شرح «Einfühlung» لتوضيح كيف ننثني، نتمدّد أو نتقلّص بشكلٍ خيالي، لنسكن الأشكال التي ندركها (نشعر بها).
الشعور بعمود دوريك يعني أن تصعد لأعلى. الشعور بالطريق المتعرّج يعني الإحساس بالتردّد، والشعور بالوزن الثقيل مرتكزًا على عمود يعني تجربة القوة المتجهة صَوْب الأرض.
بالتعاطف أو التقمص العاطفي، يجرّب المرء الإحساس بالجمال عن طريق خلط مشاعره ودوافع الحركة للأشياء دون وعي. تخيُّل جبلٍ يعلو يعني عرض مشاعري بالسعي نحو التقدم. ناقش الأخصائيّون النّفسانيون بقوّة ما إذا كانت الظاهرة تعتمد فعلاً على حركة العضلات والأطراف، أم أنها مجرد تمرين عقلي يوظّف «عضلات العقل».
شهدت نفس العقود التي أصبحت فيها «Einfühlung» عنصرًا حيويًّا في فنّ علم النفس، ظهورَ مجال علم النفس التجريبي الجديد. توافد الطلاب من جميع أنحاء العالم للدراسة في المعاهد النفسية الألمانية والمختبرات بهدف إجراء التجارب التي تسمح بتقييم الإحساس والمعرفة، وأصبح من الضروري ترجمة المصطلحات الألمانية إلى الإنجليزية. في عام 1908، صاغ الأخصائيان النفسيان إدوارد تيتشنر وجيمس وارد التعاطف من التقمص العاطفي.
ابتكر تيتشنر، مدير مختبر كورنيل النفسي، مصطلح«empathy» قياسا على «sympathy» ، لكنه يختلف عنه، وكان الفلاسفة الأخلاقيون في القرن الثامن عشر يصفون «sympathy»، وهو المصطلح الأقدم، بأنه شعور أخلاقي مولود. آدم سميث ، المشهور باقتصادياته في السوق الحرة ، وصف التعاطف بأنه وسيلة «لاستبدال الأماكن بوَلَع مع المصاب». لكن، إذا كان التعاطف يعني إحساس المرء مع الآخر أو بجانبه، أوضح تيتشنر أنه بالإضافة إلى التعاطف، يمكن للمرء أن يدخل إلى الكائن ويختبره من الداخل.
وُصف التقمص العاطفي لأوّل مرة خلال هذه السنوات كنوع من أنواع «التعاطف الجمالي»، وسرعان ما وسّع هذا الأخير نطاقه ليستوليَ على الإقليم الذي شَغَله التعاطف-sympathy. ناقش علماء النفس الألمان والأمريكيون مزايا التعاطف بين الأفراد، وأصبح التعاطف مع الأشياء أقل شيوعًا.
كوسيلة لفهم الآخرين، اكتسب التقمص العاطفي تأثيرًا ثقافيّا بعد الحرب العالمية الثانية. معاناة الجنود من صدمة الحرب و الإصابات العصبية النفسية جعلت الأخصائيين والأطباء النفسانيين مطلوبين بشكل أكبر. لجأ بعض الأطباء النفسانيين إلي التقمص العاطفي كمهارة علاجية تتطلب من المُعالِج وضع أحكامه جانبا لرؤية العالم بشكل كامل من وجهة نظر الشخص الذي يطلب العلاج النفسي.
علاوة على ذلك، كشفت الحرب خطوط الصدع الإجتماعي بين أشخاص من أجناس، ديانات وثقافات مختلفة . رسم علماء الإجتماع لمحة جديدة عن نظرية التقمص العاطفي كطريقة لتحسين العلاقات بين الأفراد، وطور علماء النفس اختبارات التعاطف الذي، باعتباره قدرة مشابهةً للذكاء، يمكن حاليًّا قياسه وتحديد كميته. صُمِّمت مجموعة متنوعة من معايير التقمص العاطفي لتحديد من يمتلك قدرة أكثر أو أقل .في المجلات والصحف الشعبية في الخمسينيات من القرن العشرين، أشاد كُتّاب المقالات الصحفية بالتعاطف لتحسين مهارات التواصل بين الأزواج والزوجات والأمهات والبنات،وتحدث فنانون مثل لوسيل بول عن التعاطف مع جماهيرهم التلفزيونية، كما درس علماء النفس التعاطف بين العمال والمدراء في البيئات الصناعية. عُمِّم مفهوم «التعاطف الثقافي» في ستينات القرن الماضي لإقامة روابط بين أشخاص يملكون هويات عرقية ووطنية مختلفة. لكن مؤخرًا، حصل التقمص العاطفي على اهتمام جديد كقدرة جينيّة قوية في المخ، وفي عام 1996 أعلن علماء في مختبرٍ لدراسة فيسيولوجيا الأعصاب بمدينة بارما الإيطالية عن اكتشاف «الخلايا العصبية المرآة»، التي تم توصيلها بأسلاك في الفص الجبهي لقرد المكاك، والتي أطلقت، ليس فقط عندما قام القرد بفعل معيّن، ولكن عندما رأى القرد قردًا آخر يقوم بنفس الفعل. حدّدت تجارب التصوير العصبي على إثر هذه النتائج، أن البشر يملكون نظامًا عصبيًا مرئيًا ينتشر عبر مناطق مختلفة من الدماغ.
انفجر استخدام تقنية تصوير الأعصاب لاختبار القدرات النفسية الاجتماعية على مدى العقود الماضية في مجال علم الأعصاب الاجتماعي متعدد التخصصات. كثيرًا ما يتم تحديد التعاطف على أنه نمط من أنماط التنبيه العصبي، ولا يزال العلماء الاجتماع والمعرفة والأعصاب يصارعون لتحديد أنواع التعاطف الكثيرة بدقة، ويناقشون كيفية وطريقة قياسها في المختبر. يقول بعض علماء الأعصاب أن التعاطف هو استجابة اجتماعية معقدة تعتمد على مكونات عاطفية وعقلانية، ويمكن تقديرها على أفضل وجه في ظروف العالم الحقيقي.
إعداد: بسمة محمد.
تدقيق لغوي: هبة مركانتية.