إذا كنت قد قرأت سابقاً عن مستعمرات البكتيريا التي تعيش على جسدك وفي داخله، فـإنَّك ستكون دون أدنى شك قد اطلعت على معلومة مفادها أنَّ “الخلايا” الميكروبية الصغيرة تفوق عدد الخلايا البشريَّة في جسمك بنسبة 10:1.
ستجد هذه المعلومة في عديد من الأوراق العلميَّة، ومقالات المجلات، ومحادثات TED، والكتب العلمية المعروفة، والتي تقوم جميعها بعمل جيد في توضيح مدى الأهمية التي تكتسبها البكتيريا بالنسبة للبشر، إلا أنَّ هذه النسبة ليست صحيحة في الواقع.
في عام 2016، كَشفت مُراجعة لأكثر من أربعة عقود من الأبحاث حول الميكروبيوم البشري أنَّه لا وجود لدليلٍ علميٍّ يدعم هذه الفرضيَّة أو يؤكدها. وبدلاً من ذلك، يبدو أنَّ النسبة تقارب 1.3 إلى 1، بمتوسط استضافة بشريَّة يبلغ حوالي 100 تريليون ميكروب، إلى حد كبير. لكن حتى هذه النسبة ليست القصة كلها.
لمعرفة العدد الحقيقي، شرع فريق من علماء الأحياء بقيادة رون ميلو من معهد فايتسمان للعلوم في مراجعة جميع الأدبيات المتوفرة حول مجموعات الميكروبات التي تعيش في داخلنا، ووجد الباحثون أنَّه بالنسبة لرجل يتراوح عمره بين 20 و 30 سنة، يبلغ وزنه حوالي 70 كيلوجراما (154 رطلا) وبطول 170 سم (حوالي 5’7) ، وهو “الرجل المرجعي” بالنسبة للأبحاث – سيكون هناك حوالي 39 تريليون خلية بكتيرية تعيش بين 30 تريليون خلية بشرية.
هذا يعطينا نسبة حوالي 1.3:1 تقريبا نسب متساوية من الخلايا البشريَّة والميكروبيَّة، هذه النتيجة تدفعنا للتساؤل عن المصدر الذي جاءت منه نسبة 10:1، ولماذا كان على ميلو وفريقه تحديد خصوصيات “الرجل المرجعي” ، بدلاً من مجرد التوصل إلى نسبةٍ للإنسان العادي دون تحديد ؟
يعود أصل نسبة 10:1 إلى مقال علمي نُشر في عام 1970 من قِبل عالم الميكروبات الأمريكي توماس لوكي، قدَّر فيه أنَّه في غرام واحد من سائل أو براز معوي بشري، يوجد 100 مليار ميكروب، وبما أنَّه عند شخص بالغ متوسط، يوجد حوالي 1000 جرام من هذه المواد ، فإن هذا يعادل 100.000 مليار ميكروب. (يُذكر أنَّ كلاً من هذه الأرقام ليس لها أساس علمي، كما دوَّنه إد يونغ في The Atlantic.)
بعدها بسبع سنوات، أخذ عالم الأحياء المجهرية المعروف، دواين سافاج، هذا التقدير الغامض، ومزجه مع حقيقة أن هناك حوالي 10 تريليون خلية بشرية في الرجل العادي، لتظهر من هناك النسبة 10:1.
بعدها، أخذ كل شخص، من زملائه العلميين إلى عامة الناس، هذه النسبة واتَّبعَها، دون أن يبذل أحد جهدًا لتأكيدها أو دحضها حتى عام 2014، حين كتب يهوذا روزنر، عالم الأحياء الجزيئية وعلم الوراثة في المعاهد الوطنية للصحة، إلى مجلة Microbe Magazine للتأكيد على أن أحدث التقديرات لأرقام الخلايا البشرية هي الآن حوالي 10 تريليون خليَّة.
في الواقع، إنَّ التوصل إلى عدد خلايا الإنسان العادي سيكون مستحيلاً في الأساس، كما يشرحه إد يونغ:
“أحدث التقديرات تشير إلى أنَّ العدد الإجمالي للخلايا البشرية في أيِّ مكان يتراوح بين 15 تريليون و 724 تريليون، وعدد الميكروبات المعوية في أي مكان يتراوح بين 30 تريليون و 400 تريليون. وهو ما يعطي نسبة يمكن التعبير عنها على أفضل وجه ب: ¯\_(ツ)_/¯ “.
من هنا أتى مصطلح الرجل المرجعي – فتضيق الجنس والعمر والوزن والطول للإنسان الافتراضي سهَّل على المراجعين معرفة ما هو متوسط عدد الخلايا البشرية، ويقدر الباحثون أنَّه بالنسبة للرجل المرجعي، فإنَّ عددها يبلغ حوالي 30 تريليون.
علاوة على ذلك، اكتشف ميلو وفريقه أيضًا أنَّ أعداد الخلايا الميكروبية في القولون -حيث حصل لوكي على رقمه الأصلي- قد تم الإفراط في تقديرها بشكل منتظم في الأدبيات العلميَّة، فكتبت ليندس كراتوشفيل في مجلة Popular Science : “استخدم الباحثون كثافة البكتيريا في كل غرام من” المحتوى الرطب” للقولون، مضروبا في حجم مجرى الجهاز الهضمي بأكمله،لكن، كما يقول هؤلاء الباحثون، تكون الكثافة البكتيرية للقولون أعلى بكثير من تلك الموجودة في بقية الجهاز الهضمي، لذا فمن المُفرِط أن نَفترضَ أنَّ كامل الجهاز الهضمي مليٌء بالبكتيريا مثل القولون”.
بناءً على هذا وعلى حقيقة أنَّ تركيز البكتيريا في الأمعاء أعلى بكثير من الأعضاء الأخرى و بقيَّة أجزاء الجسم (مما يعني أنه لا يمكنك أخذ عينة من القولون والقول بأنه يمثل الجسم كله)، اقترح فريق Milo تقديرًا حديثًا وأكثر علمية وأكثر دقة يقول أنَّ عدد الخلايا هو 39 تريليون خلية جرثومية، استنادًا إلى الأدلة المتوفرة.
مع ذلك حتى هذه النسبة 1.3: 1 -39 تريليون خلية جرثومية إلى 30 تريليون خلية بشريَّة- ليست في الحقيقة شيئاً يجب أن نذكره في كتبنا الدراسية والأبحاث العلمية في المستقبل ، كما يقول إد يونغ: “هذه التقديرات الجديدة قد تكون أكثر واقعيَّة، لكن الدراسات والأرقام التي جمعها ميلو لديها تحيزاتها وأوجه عدم اليقين فيها”، كما يقول.
“تفضيلي سيكون تجنب ذكر أي نسبة على الإطلاق -لا تحتاج إلى ذكر أهمية الميكروبيوم-.”
المصدر: هنا
تدقيق لغوي:بولحية يحيى