فقدان الشهية العصبي يتعلّق بالهوس الشديد في الحدِّ من تناول الطعام والوزن، ويمكن أن يؤدي بنهاية المطاف إلى الاستيلاء على حياة الشخص. يتم تعريفه على أنّه حاجة مكثَّفة إلى الحدّ بشكل كبير من تناول الطعام لينتج فقدان الوزن. ويُعتقد عادةً أنّ فقدانَ الشهية يؤثر على النساء في الغالب، قالت جانيت ريمون، وهي طبيبة نفسية مرخصة: “هناك أدلّة على أنّ هذا هو الحال، ولكن تتعارض المعلومات التي تفيد بأنّ الفتيان يفقدون الشهية بالتساوي ولكن لا أحد يلاحظهم ولا يتم التبليغ عن حالاتهم”. فقدان الشهية يؤثر على 0.9% من النساء الأمريكيات، وفقًا إلى الجمعية الوطنية the National Association of Anorexia Nervosa and Associated Disorders (ANAD). من 5 إلى 10% من الأشخاص الذين تم تشخيصهم بفقدان الشهية هم من الذكور، وفقًا لجامعة the University of Pittsburgh.
فقدان الشهية ليس حقًا بشأن الطعام، وفقًا لعيادة Mayo Clinic. الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية يبحثون عن وسيلة للتعامل مع مشاكلهم العاطفية، لذلك يحاولون العثور في حياتهم على شيء يمكنهم السيطرة عليه، والغذاء شيء ثابت في حياة الشخص، وبإمكانه التحكم فيه.
الأسباب:
كما هو الحال مع العديد من الظروف الصحية النفسية، الأسباب الدقيقة لفقدان الشهية يصعب تحديدها. وقد ساعدت الأبحاث العلمية على تضييق نطاق الأسباب المحتملة، مثل الأيض والقضايا النفسية والوراثة. وقال الدكتور جيمس جرينبلات، كبير الموظفين الطبيين في “Walden Behavioral Care” في والثام بولاية ماساتشوستس: “هناك عوامل جينية خطيرة وواضحة لاضطرابات الأكل” ، “التزايد في الضعف الجيني أصبح أكثر وضوحًا، والباحثون الجينيون في جميع أنحاء العالم يتطلعون إلى تحديد علامات وراثية محددة”. تقول سينثيا بوليك في دراستها “The Genetics of Anorexia Nervosa”، التي نُشرت عام 2007 في مجلة Annual Review of Nutrition: “أثبتت الدراسات الأسرية باستمرار أنّ فقدان الشهية العصبي يُتَوارث في الأسرة”.
إذا كان فقدان الشهية بسبب الجينات (أو على الأقل مؤثر به بشكل كبير)، يمكن علاج المصابين به باستخدام المعلومات المكتشفة في جيناتهم، وفقًا لمشروع Price Foundation Candidate Gene Project. وقد وجد الأطباء أنماطًا في القضايا النفسية مع المرضى الذين يعانون من اضطرابات الأكل، وفقًا إلى جمعية ANAD. وتشمل هذه العلامات: الكمالية، والحاجة إلى أن يكون محبوبًا، والحاجة إلى الاهتمام، وعدم احترام الذات وتوقعات الأهل المرتفعة.
العوامل المتعلقة بالأسرة التي قد تؤدي إلى فقدان الشهية، وفقا لريمون، تشمل ما يلي:
- الأمهات الطاغيات
- الأمهات اللائي يحتجن إلى بناتهن ليقمن بالرعاية بهم عاطفيًا
- قلق الانفصال
- عدم وجود الوالدين أثناء مرحلة النمو عندما يكون المظهر مهمًا للطفل
- عدم وجود صلة مع الأب في نفس المرحلة الحاسمة من النمو
يعتقد الدكتور والتر كاي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وهو باحث في اضطرابات الأكل، أنّ الكثير من اللّوم وُضع على عارضات الأزياء النحيلات وتصويرات أخرى في وسائل الإعلام. وقال كاي لمجلة “Scientific American Mind” في يونيو 2008: “لطالما كان الناس يلقون باللّوم على العائلات ووسائل الإعلام، لكنّ اضطرابات الأكل من الأمراض البيولوجية، وستأتي علاجات أفضل من مناهج قائمة على البيولوجيا.”
علامات فقدان الشهية:
هناك نوعان لفقدان الشهية: نوع مقيِّد للأكل ونوع الأكل بشراهة وتسهيل المعدة، وفقًا لجامعة the University of Pittsburgh. أكثر العلامات وضوحًا لفقدان الشهية هو الامتناع عن الأكل، أو تقييد كميّة الطعام الذي يتناوله الفرد. الشخص الذي يعاني من فقدان الشهية قد يتجنب وجبات الطعام أو قد يرفض تناول الطعام حول أشخاص آخرين. قد يكذب حول مقدار ما أكل، وينسحب من علاقته مع العائلة أو الأصدقاء ويبقى في المنزل بدلاً من الذهاب إلى المناسبات الاجتماعية، كثيرا ما يكون مزاجيا، مكتئبا، وسواسيا حول وزنه وغير مهتم بالأشياء التي كان يتمتّع بها مسبقًا.
ويمكن أن يكون هناك طرق أخرى أكثر تسترًا لتحكم الشخص في السعرات الحرارية التي تدخل جسمه. على سبيل المثال، بعضهم قد يمارس الرياضة بشكل مفرط لحرق السعرات الحرارية وفقًا إلى معاهد the National Institutes of Health. قد يقطع بعضهم الطعام إلى أجزاء صغيرة ويحركها في جميع أنحاء الطبق، بينما يتفكر في كل قضمة، قد يذهب إلى الحمام مباشرة بعد وجبات الطعام.
إن تناول الطعام بشراهة وتسهيلُه سلوكياتٌ ترتبط عادة بالشَّره المرضي – اضطراب أكل آخر – ولكنّها يمكن أن تكون أعراضا لفقدان الشهية كذلك. بعض الناس الذين يعانون من فقدان الشهية قد يأكلون كميات هائلة من الطعام في فترة قصيرة من الزمن، بعد ذلك، للتخلص من الطعام، يقوم الشخص بتسهيله باستخدام المسهلات، مُدِرّات البول أو الحقن الشرجية، أو عن طريق القيء، وفقًا للجمعية الوطنية the National Association of Anorexia Nervosa and Associated Disorders (ANAD).
مضاعفات فقدان الشهية:
لأنّ الطعام هو وقود الجسم، تقييد تناول الطعام يمكن أن يتسبب في تغييرات جذرية.الفقدان الكبير للوزن هو التغيّر الأكثر وضوحًا، ولكنّ الجسم يتدهور داخليًا بسرعة كبيرة. ووفقًا لعيادة Mayo Clinic، يؤدي سوء التغذية إلى:
- مشاكل قلبية
- الإمساك
- انخفاض ضغط الدم
- هشاشة العظام
- تورُّم في الذراعين والساقين
- عد دموي غير طبيعي
- انقطاع الحيض
- الجفاف
- الأرق
في حين أنّ الشخص المصاب بفقدان الشهية قد يقول أنّه يحاول الظهور بشكل أفضل، فإنّ المرض غالبًا يؤدي إلى التدهور في هيأة الشخص. فالشعر يصبح جافًا أو قد يتساقط، الأصابع تتحول إلى اللون الأزرق، يجف الجلد وتنمو طبقة رقيقة من الشعر في جميع أنحاءه. ويمكن للتعب بسبب فقدان الشهية أن يجعل الشخص شاحبًا، مع هالات سوداء تحت العينين. وليس كل من يموت من فقدان الشهية يموت جوعًا، واحد من كل خمسة وفياتِ فقدان الشهية سببه الانتحار، وفقا إلى ANAD.
فقدان الشهية مقابل الشره المرضي:
كلٌ من فقدان الشهية والشره المرضي من اضطرابات الأكل، وبعض أعراضهما تتداخل، ولكن لا يمكن التبديل بينهما. ففقدان الشهية -في الغالب- يعني الامتناع عن تناول الطعام، أو الحدّ من تناوله لفترات طويلة من الزمن، ممّا يؤدي إلى فقدان الوزن بما يتجاوز الحدّ الصحي (أقل بـ 15% من الوزن الطبيعي نسبةً لعمر الشخص وطوله، وفقًا للمعاهد الوطنية للصحة NIH). بالمقابل، الأشخاص الذين يعانون من الشره المرضي يميلون إلى الحفاظ على وزن الجسم الطبيعي، ولكنّهم يسيطرون على تناولهم للطعام في دورة من النّهم ثم التسهيل. يمكن للشخص أن يعاني من الاضطرابين في نفس الوقت أو بشكل منفصل خلال حياته. وقالت جامعة the University of Pittsburgh أنّ حوالي 40% من مرضى الشره غالبًا ما كان لديهم تشخيص فقدان الشهية في البداية.
علاج فقدان الشهية:
من كلّ 10 رجل وامرأة يعانون من اضطرابات الأكل واحد فقط يتلقى العلاج، وفقًا لـ ANAD، واضطرابات الأكل تتسبب في موت المرضى أكثر من أيّ مرض نفسي آخر. ولأنّ فقدان الشهية يمكن أن يُسبِّب الكثير من المشاكل في الجسم، فالخطوة الأولى نحو الشفاء هي علاج الأعراض. على سبيل المثال، يمكن أن تشمل الخطوات الأولى حصول الشخص على كميات كافية من الماء، وتعاطي الأدوية التي يمكن أن تساعد في تنظيم ضربات القلب. بعد أن يتم علاج الأعراض، يتم اتخاذ إجراءات لمساعدة الشخص على زيادة الوزن أثناء معالجة القضايا النفسية الكامنة وراء المرض. العلاج النفسي، مضادات الاكتئاب أو غيرها من الأدوية النفسية والمكوث في المستشفى كلّها علاجات ممكنة لفقدان الشهية.
وقالت ريموند “إنّ مدة وشدة فقدان الشهية تحدد خيارات العلاج”. تستجيب الحالات الأقل خطورة للعلاج السلوكي المعرفي، وهو نوع من “علاج الحديث” الذي يُمَكِّن المرضى من تطوير حدود صحية والشعور بالسيطرة في أمور غير رفض الطعام. العلاج الجماعي والعلاج الأسري مفيدان أيضًا. ولأنّ المشاكل بين الفتاة وأمّها غالبًا ما تكون محفزًا لفقدان الشهية، فإنّ العلاج عادةً يستلزم معاملة تجعل الفتاة آمنة وقادرة على الانفصال وتكوين علاقات خارج حدود العائلة. وأشارت ريموند أيضًا إلى أنّ مضادات الاكتئاب قد يكون لها نجاح على المدى القصير فقط إذا لم يتم معالجة القضايا النفسية الكامنة. في كثير من الأحيان، فقدان الشهية يستمر ويصبح أكثر حِدّة.
لا يبدو أنّ هناك أيّ علاجات إضافية لفقدان الشهية في الوقت الحالي، كما يقول الخبراء. وقال غرينبلات: “على الرغم من أنّه هناك المزيد من الدراسات البحثية حول اضطرابات الأكل، إلّا أنّه لا توجد أيّ علاجات سريرية جديدة متاحة، وتُظهر البحوث الجديدة تشوهات في بنية الدماغ والوظائف العصبية الحيوية بين الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الأكل، ولكن لم يتم تحويل البحث إلى أيّ علاجات.”
علامات الانتكاس:
حتى إن كان الشخص في طريقه إلى الشفاء من اضطراب الأكل، فإنّه قد ينتكس. ولكنّ الانتكاس والزلّات البسيطة أمران مختلفان. تقول بوني برينان، المديرة الطبية الأولى لخدمات البالغين في مركز Eating Recovery Center Denver، وأخِصائية متخصصة في اضطرابات الأكل: “للتمييز بين الزلّات والانتكاس، فإنّ الزلّات هي انخراط الشخص في بعض السلوكيات، ولكن عودته بعد ذلك إلى المسار الصحيح، أمّا الانتكاس فهو نمط من الزلّات التي تشير إلى عودته إلى سلوكياته الأكلية”. من المهم أيضًا أن نلاحظ أنّه من الممكن للشخص أن ينتكس لأنّه يحاول حلَّ نوع آخر من المشاكل – كإجراء طبي- على سبيل المثال، إن كان بحاجة إلى الصيام قبل إجراء ما. قد يكون للبعض مجرّد سلوك بريئ، إلّا أنّه قد يثير الوضع ويحوّله لشيء خطير، كما فسّرت برينان.
علامات الانتكاس، وفقًا لبرينان، يمكن أن تشمل:
- قضاء الكثير من الوقت في التفكير بالأكل. -متضمِّن لكمية الأكل وكيفية التخلص منه-
- انخفاض الوزن
- العودة للانخراط في سلوكيات اضطرابات الأكل (كالحد من تناول الطعام، التسهيل، الإفراط في ممارسة الرياضة)
- قول “هذه المَرّة وحسب”
- زيادة في التهيُّج، زيادة في القلق والاكتئاب، وعدم الانخراط في الأمور التي كان يستمتع بها مسبقًا
- رفض الدعوات الاجتماعية
- صعوبة في العمل والدراسة
هذه المقالة لأغراضَ إعلاميّة فقط، وليس المقصود بها تقديم المشورة الطبية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: هنا
ترجمة: إيمان شنو
تدقيق لغوي: سهام جريدي