قد تكون هناك معانٍ متعددة للمعلومات البيولوجية، وقد يمكن استخدامها لأغراض متنوعة للغاية بحيث يصبح تعبير المعلومات البيولوجية عاميا للغاية ويفقد معظم قيمته التفسيرية.
إنّ المعلومات البيئية يتم استقبالها بعمليات ادراكية (مثلًا: يرى جون الضوء الأحمر يومض في لوحة سيارته)، وتعالج هذه المعلومات من خلال العمليات الجسمية-العصبية الداخلية (مثلًا: يدرك جون أن في حال كان الضوء الأحمر يومض، يجب أن تكون البطارية فارغة)، ثم يتم إخراجها كمعلومات دلالية (مثلا: أن يخبر جون جاره أنّ هناك خللا بسيارته)، ولا تبدو عمليات الإدخال والمعالجة والإخراج واضحة الحدود تمامًا، بل تتشابك مع بعضها تشابكًا هائلًا، و يمكن دراسة هذا النوع من المعلومات من خلال أكثر من مجال معرفي (فلسفة العقل، علم الأعصاب، علم النفس، علم وظائف الأعضاء، نظرية المعرفة، نظرية المعلومات، الخ).
وحتى لا نضيع في غياهب المصطلحات الفنية لكل مجال، سنركز على طبيعة المعلومات الجينية (باعتبارنا كائنات حية)، وطريقة استخدام المعلومات في علم الأعصاب أو المعلومات العصبية (باعتبار أن ادراكنا يعتمد على أدمغتنا).
للتعبير عن المعلومات هناك 3 طرق رئيسية:
- المعلومات «باعتبارها واقع»، أي ملموسة ومادية، مثلًا: نمط الغشاء الرقيق في العين.
- المعلومات «من أجل الواقع»، أي ارشادية، مثلًا: وسيلة تحديد السمات البيولوجية لفتح أحد الأبواب عن طريق التحقُّق من هوية أحد الأشخاص.
- المعلومات «حول الواقع»، أي دلالية، مثلًا: هوية الشخص.
وهناك تقسيم مفهومي آخر للتعبير عن المعلومات هو:
- «وصفي»: حيث تعتبر المعلومات «حول» حقائق،مثلا: تعتبر المعلومات الطبية معلومات حول حقائق طبية.
- «خبري»: حيث المعلومات تعبر عن «طبيعتها» في حد ذاتها، مثلا: المعلومات الرقمية ليست معلومات حول شيء رقمي، بل معلومات تعتبر ذات طبيعة رقمية في حدِّ ذاتها.
- وقد تكون المعلومات «وصفية» و«خبرية» في نفس الوقت، مثلا:معلومات عسكرية.
-المعلومات الجينية:
علم الجينات هو أحد فروع علم الأحياء، وهو يدرس التراكيب والعمليات المُتضمَّنة في الوراثة واختلاف المادة الجينية والسمات القابلة للملاحظة (الأنماط الظاهرية) للكائنات الحية. استخدمت الإنسانية الوراثة والاختلافات الجينية منذ قديم الأزل، على سبيل المثال، تربية الحيوانات. إلا أن الأمر اختلف في القرن التاسع عشر حين أثبت «جريجور مندل» مؤسس علم الجينات أن الأنماط الظاهرية يمكن تمريرها من جيل إلى التالي من خلال ما صار يُعرف لاحقًا باسم الجينات، وعرض «إرفين شرودنجر» -عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل- فكرةَ كيف يمكن تخزين المعلومات الجينية. وقد شبه شرودنجر المعلومات الجينية بأبجدية مورس. وفي عام 1953، نشر «جيمس واطسون» و«فرانسيس كريك» نموذجهما الجزيئي لتركيب الحمض النووي؛ اللولب المزدوج الشهير، الذي يعتبر أحد أيقونات العلم المعاصر، ومنحا جائزة نوبل لعلم وظائف الأعضاء والطب لاكتشافاتهم المتعلقة بالتركيب الجزيئي للأحماض النووية وأهمية ذلك في نقل المعلومات في المادة الحية.
يمتلك الانسان 23 زوجًا من الكروموزومات في خلايا جسده (تعتبر الحيوانات المنوية، والبويضات، وخلايا الدم الحمراء استثناء)، يعود واحد من كل زوج من الكروموزومات إلى أمه فيما يعود الآخر إلى أبيه، ويتألف كل كروموزوم من بروتينات وحمض نووي وهو – «يسمى دي إن إيه DNA-» (الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين)، وهو الجزيء الذي يحتوي على الشفرة الجينية لجميع أشكال الحياة إلا بعض الفيروسات.
يتألف DNA من وحدات كيميائية تسمى النوكليوتيدات. يحتوي كل منها على واحد من أربعة قواعد أحادية فوسفات (T= ثايمين ،C= سايتوسين ،G= جوانين ،A= أدنين) ، وجزيء السكر دي أوكسيرايبوز. وتمثل الجينات قسمًا من جزيء الحمض النووي وتتضمن معلومات تكوين الجزيئات الوظيفية مثل «آر إن إيهARN-» (الحمض النووي الريبي).
تُخزن الشفرة الجينية في أحد الشريطين الطويلين اللولبيين للحمض النووي، تعتبر هذه الأحرف.A, G, C, T في صورة السلسلة الخطِّيَّة من أحرف «الأبجدية» المستخدمة في تعبير «الشفرة»، المعروفة باسم « الكودونات»، يؤلف كل كودون مزيجًا فريدًا من ثلاثة أحرف، وهي الأحرف التي يجري ترجمتها في النهاية باعتبارها حمضًا أمينيٍّا وحيدًا ضمن السلسلة، بما أن عدد الأحرف أربعة ولا تزيد المواضع التي تشغلها عن ثلاثة مواضع، فإن هناك 64 مزيجًا من الترميزات أو الكودونات ممكنًا، يعمل أحد هذه الكودونات كإشارة بدء، تبدأ به جميع التسلسلات التي ترمز إلى سلاسل الأحماض الأمينية، بينما تعمل ثلاثة من هذه الكودونات كإشارات توقف وتشير إلى اكتمال الرسالة، وترمز جميع التسلسلات الأخرى إلى أحماض أمينية محددة.
وحتى يتسنى لنا الحصول على بروتين من أحد الجينات، يجب أن تتوفر عمليتان شديدتا التعقيد وإن كانتا لا تزالان غير مفهومتين تمامًا حتى الآن، ألا وهما «النسخ» و«الترجمة».
بعد هذا الشرح العام لعلم الجينات، يتضح أنّ الدور الذي تلعبه المفاهيم المعلوماتية في علم الجينات مهمٌّ للغاية، ومع ذلك تفتقد المعلومات الجينية إلى جميع السمات النموذجية للمعلومات الدلالية، بما في ذلك المغزى، والعمدية، والموضوعية، والصحة.
يحتوي الحمض النووي على الشفرة الجينية في صورة مادية ، التي تحدد عملية تطور الأنماط الظاهرية، والجينات لا «تحتوي» على معلومات مثلما تحتوي الأظرف أو رسائل البريد الإلكتروني، ولا «تحمل» معلومات ولا «تنقل أو تشفر ارشادات»، فالعمليات الجينية بيولوجية-كيميائية وليست عمدية على الإطلاق، فالجينات إرشادات بحد ذاتها ، وتعتبر هذه الأخيرة نوعًا من المعلومات الخبرية، اذن فهي تركيبات إجرائية ديناميكية تُسهم – بالإضافة إلى عوامل بيئية أخرى لا غنى عنها – في التحكم في تطوُّر الكائنات وتوجيهها.
المعلومات العصبية:
تعتبر الحياة البيولوجية صراعًا مستمرٍّا ضد الإنتروبي الحراري ، بعبارة أخرى: كيان معلوماتي قادر على تمثيل التفاعلات الإجرائية (يمثِّل هذا الكيان عمليات المعالجة المعلوماتية) بغرض الحفاظ على وجوده و/أو إعادة إنتاج نفسه (عملية التمثيل الغذائي). حتى الكائنات أحادية الخلايا تستخلص وتتفاعل مع المعلومات من بيئتها من أجل البقاء، إلا أن تطبيق العديد من السلوكيات المضادة للإنتروبي والتحكم فيها لم يتأتَّ إلا مع تطور نظام عصبي معقَّد يستطيع جمع، وتخزين، ومعالجة، وتوصيل كميات هائلة من المعلومات واستخدامها بنجاح. بعد مرور ملايين السنوات من التطور، يمكن الآن العثور على نُظُم عصبية في الكثير من الحيوانات متعدِّدة الخلايا. قد تختلف هذه النظم كثيرًا من ناحية الحجم، والشكل، والتعقيد بين الأنواع المختلفة.
سنركز على الانسان باعتباره فاعلًا معلوماتيٍّا مضادا للإنتروبي، وسنعرض قدراته في معالجة المعلومات، فمن منظور بيولوجي-معلوماتي، يمثِّل جهازه العصبي شبكةً تدير المعلومات حول بيئته ونفسه، ما يتسبب في أفعال وردود فعل جسدية تفيده ككائن، وتدعم رفاهيته، وتزيد من فرصه للبقاء والتكاثر. تتمثل العناصر البنائية لهذه الشبكة في «العصبونات» و«الخلايا الدبقية» بنسبة تقريبية عشر خلايا دبقية إلى عصبون واحد، و تعمل العصبونات من خلال تحويل الإشارات الكيميائية إلى نبضات كهربية والعكس. وبناءً عليه، يمثل الجهاز العصبي شبكة معقدة تعالج البيانات كهروكيميائيٍّا.
تدقيق لغوي: بولحية يحي عبد الواحد