لقد مر حتى الان ما يزيد عن مائة وخمسون عاما على نشر العالم الاسكتلندى جيمس كلارك ماكسويل لورقته البحثية و التى استطاع فيها أن يربط بين الكهربية والمغناطيسية وهما فرعان فى الفيزياء قد يتراءى للمرء أن لا علاقة بينهما. ففي عام 1865 نشر ماكسويل مجموعة من المعادلات التى تصف كل الظواهر الكهرومغناطيسية (كما تسمى) وقد يبدو وصف هذه الظواهر بالكهرومغناطيسية فى البداية أمرا غريبا، ولكن هذا الشعور سرعان ما يتلاشى عندما ندرك أننا كثيرا ما نتعرض لهذه الظواهر فى حياتنا اليومية فى صور متعددة مثل الضوء المرئي الذى نعتمد عليه لكي نرى العالم من حولنا و أجهزة الراديو والتلفزيون التي تعد من مصادر التسلية لدينا، ومثل الهاتف الخلوي وخدمات ال (واي فاي) التى تجعلنا على اتصال دائم بالعالم الخارجى، وإنه من المستحيل أن نحصي كم هى مفيدة تلك المعادلات فى فروع الفيزياء المختلفة و فى التكنولوجيات التى نعتمد عليها كثيرا فى حياتنا اليومية.
*فى حوار مع جون إيليس “بروفيسور الفزياء النظرية بالجامعة الملكية بلندن” حول معادلات ماكسويل* :
لقد تم معرفة كلا هاتين الظاهرتين الكهربية والمغناطيسية منذ وقت طويل جدا، فأصل هاتين الكلمتين يعود بنا إلى اليونانيين القدماء فهما معروفتان منذ أمد بعيد ولكن الربط بينهما لم يحدث إلا في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر على يد علماء الفيزياء التجريبية وعلى رأسهم مايكل فاراداي.
فعلى سبيل المثال : تم إكتشاف أن التيارات الكهربائية تُحدث مجالات مغناطيسية حولها و أن حركة مغناطيس يمكنها أن تولد تيارات كهربائية، وقد كان هناك عدد من الأفكار النظرية المختلفة التى حاولت تفسير ذلك ولكن ما توصل إليه ماكسويل أوضح أن كل تلك المحاولات كانت (لا شئ)، فقد فعلها ماكسويل وتمكن من الربط بين الكهربية والمغناطيسية وتفسير ما توصل إليه فاراداي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل توصل ماكسويل من خلال حل المعادلات إلى أن المجالات الكهربية والمغناطيسية ليست ساكنة وإنما هى تتذبذب بشكل مرتبط بينهما و أن هذا التذبذب ينتشر خلال الفراغ بسرعة كبيرة جدا و قد قادتنا هذه النتيجة إلى فكرة الموجات الكهرومغناطيسية.. وعندما يسمع الناس كلمة موجة سرعان ما تتبادر إلى الأذهان صورة موجات الماء أو ربما موجات الصوت، ولكن الموجات الكهرومغناطيسية هى فكرة مجردة أكثر من التفكير فيها كموجات الماء، ففى الحقيقة هى الفكرة التى تفسر لنا الضوء وموجات الراديو …إلخ. فكل هذه الأشياء هى موجات كهرومغناطيسية تنبأ بها ماكسويل بناءا على معادلاته الأربع.
ولم يقف الأمر أيضا عند هذا الحد بل مكنت هذه المعادلات ماكسويل من حساب سرعة انتشار الموجات الكهرومغناطيسية فى الفراغ وقد كان هذا سؤالا يشغل بال الكثيرين لوقت طويل. فقد كان من المعروف أن الضوء ينتشر بسرعة كبيرة جدا جدا وأن هذه السرعة محددة وثابتة، وقد أجريت العديد من التجارب حول هذا واستطاعت تحديد هذه السرعة، و أعتقد أن واحدة من أبرز اللحظات فى تاريخ العلم هى عندما جلس ماكسويل وتمكن من حساب سرعة الضوء من خلال معادلاته الأربع وتوصل إلى الإجابة الصحيحة وهى 300000000 متر فى الثانية الواحدة، لتتفق بذلك النواتج النظرية مع نظيراتها التجريبية.
وقد شجع هذا علماء الفيزياء فى هذا الوقت بعد 25 عاما تم إثبات وجود الموجات الكهرومغناطيسية على يد العالم هيرتز. فقد استطاع أن يحصل على هذه الموجات عن طريق استخدام تيار كهربى متردد واستقبال إشارات لما نعرفه الان بموجات الراديو. ولكن ما فعله هيرتز كان مجرد تجربة فى مختبر وربما قام بها لإشباع فضوله حول صحة وجود هذه الموجات ولكن جاء العالم ماركونى بعد ذلك و أوضح أنه من الممكن أن يتم إرسال هذه الموجات(موجات الراديو) عبر المحيط الأطلنطي، وقد كانت هذه البداية التى أفسحت الطريق لثورة الاتصالات ونقل المعلومات وكل هذا الفضل يعود إلى معادلات ماكسويل” .
فى المقال القادم سنتحدث عن كل معادلة من معادلات ماكسويل بالتفصيل وكيف استطاع ماكسويل حل معادلاته الشهيرة …ابقوا معنا
تدقيق لغوي: بولحية يحيى
المصدر : هنا