في نتائج بحثٍ جديدٍ أُجري بالتعاون بين جامعة نيومكسيكو والمخبر الديناميكي للّغات Laboratoire Dynamique du Langage-CNRS بفرنسا، والتي قّدمت خلال الّلقاء المائة والسبعين للجمعية الأمريكية للصوتيات the Acoustical Society of America إختصارا (ASA)، والتي تحاول تقديم شرحٍ لسبب تعدّد الّلغات البشرية. حيث أنّ الدّراسة تعلّل ذلك بطبيعة المحيط الذي تُتَحدث فيه الّلغة.
قام الفريق تحت قيادة عالم الّلغويات “إيان ماديسون – Ian Maddieson” من جامعة نيومكسكو بفحص ما مجموعه 628 لغة من كلّ أقطار الكرة الأرضية. حيث قاموا بملاحظة متوسّط الحروف السّاكنة والمتحرّكة في كلّ لغة، ومقارنتها بالمناخ والبيئة التي تواجدت وتمّ التحدّث فيها بتلك الّلغة. وبذلك، تفطّنوا لوجود علاقة بين الطّريقة التي تُستعمل بها الحروف السّاكنة والمتحرّكة وبين متوسّط الحرارة السنويّ، تساقط الأمطار، الغطاء الغابي والتّضاريس الجبلية في المنطقة التي تستعمل فيها تلك الّلغة.
وفقًا لتصريحات الفريق الباحث، فإنّ هذه النتائج تقترح أنّ هذه التغييرات الصوتية تستطيع جزئيًا شرح المنحى التّطوّري للّغات عبر العالم. حيث أنّ هذا المبدأ يشير إلى الطريقة التي تعتمدها مختلف الفصائل لتعديل إتّصالاتها الصوتية بغية الزيادة من الإيصال الصوتي في بيئاتها الخاصة. على سبيل المثال، الحروف الساكنة والتي تتميّز بتردّداتٍ عالية سهلة الإنتقال في الأماكن الغابية؛ لأنّ موجاتها الصوتية يمكن أن تنحرف وتبتعد عن الغطاء النباتي. وبالمقارنة مع المناطق ذات متوسطات الحرارة العالية والتي تتميّز بجعلها للهواء مجعّدًا، وبذلك تُجعّدُ من مسارالموجات الصّوتية للحروف السّاكنة بحيث تجعلها صعبة السمع.
و نتيجةً لذلك، وجد الفريق أنّ الّلغات المنتشرة في الأماكن الحارّة وذات الغطاء النّباتي الكثيف تميل لإستعمال الحروف السّاكنة بشكلٍ أقل، بالمقارنة مع إستعمالها للحروف المتحرّكة والتي تنتقل بالإعتماد على تردّدات صوتية منخفضة.
بالإجمال، فإنّه يُعتقد أنّ التغيّرات الصّوتية يمكن أن تكون مسؤولة عن ربع ( ¼ ) التغيّرات في الحروف الساكنة والمتحرّكة المستعملة في لغةٍ معيّنة.
من الواضح أنّ هذه النتائج تترك مساحة تأثيرٍ كبيرة جدًّا لعوامل أخرى. إلّا أنّها يمكن أن تشرح بشكلٍ ما، الإختلاف الكبير بين الّلغات المتحدَّثة على سطح هذه الأرض.
مثلا لغة الـ ” كسو – Xóõ! ” المتحدّثة في بعض المناطق من بوتسوانا وناميبيا، تستعمل حروف العلّة أكثر من أيّ لغةٍ أخرى وهي أيضًا مشهورة بصوت القرقعة المميّز لها. من الناحية الأخرى، لغة الـ “إبيكس – Ubyx” المنقرضة حاليًا استعملت حرفي علّة فقط و 81 حرفًا ساكنًا.
في وقتٍ سابق، تمّ تطبيق مبدأ التغيّرات الصّوتية على تغريدات الطّيور المختلفة، والتي وُجد أنّها تغيّر من تردّداتها إعتمادًا على كثافة الغطاء النّباتي المحيط بها. وبتطبيق هذه النظرية على الّلغات البشرية، يعتقِد الفريق أنّهم قد ألقوا بضوءٍ جديدٍ على كيفية ظهور أنماط تواصلٍ بين البشر بالإعتماد على الهمهمات والأصوات العامّة التي يستطيع البشر إصدارها.
إعداد: زكريا فرطاس
تدقيق لغوي: هاجر.ب