ثلاث شبّان جزائريون، طبيبان مختصّان بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة في جراحة المخ والأعصاب “آيت ايدير” ،ومهندس في الميكانيك الحيَّة، متخرج من جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين بباب الزوار (USTHB)، نجحوا في صِناعة عظمِِ صناعيّ لجمجمة، جزائري 100% والذي تمت زراعته لمريض بنجاح.
قامَ الطبيبان عَلي طرّاق (Ali Terrak) وعبد الرّحمان شيخ (Abderrahmane Cheikh) بالتعاون مع مهندس البيوكيمياء كريم لاصال (Karim Lassal)، بتصميم أوَّل عظم صِناعي لجمجمة، دقيق لحد بعيد، حيث تم صنعه بالطباعة ثلاثيّة الأبعاد (3D-Printing). تم وضع العظم الصناعيّ بنجاح شهر فيفري المنصرم على مريضٍ أُصِيب بتلفٍ على مستوى الجمجمة، مما جعله يفقد جزءًا من الغطاء العظمي لسقفها بسبب مضاعفاتِ عدوى.
وقد قام طلابٌ من كليّة الطب بالجزائر العاصمة بإجراء لقاء صحفي مع الشباب المخترعين، وتم نشر الحوار في العدد الخامس لمجلتهم (ReMed) لتعكس بشكل أفضل الإنجاز العلمي والتقني الذي يعتبر -حسب ما جاء في المجلة- الأوّل من نوعه في الجزائر وإفريقيا.
في هذا الحوار، صرح الباحثون عن العديد من النقاط التي مرَّ بها مشروعهم، من لحظة مراودتهم الفكرة إلى غاية نجاحها ورؤية المريض للنَّتيجة بعد إجراء الجراحة.
كيف ولدت الفكرة؟
صرَّح الطبيب عبد الرحمان شيخ أنّ الفكرة ولدت يوم أتت للمستشفى أمٌّ وابنتها التي تعرضت لجروحِِ بالغة على مستوى المخ والجمجمة، الأمر الذي تسبب في بقائها بمصلحة الإنعاش ووحدة العناية المشددة قرابة شهرِِ من الزمن، لتخرج بعدها بأعجوبة، لكن الحادثة أبقت تشوهات على مستوى الجمجمة، ما جعل الفتاة ذات الـ15 سنة لا تستطيع العودة إلى مقاعد الدراسة، كون زميلاتها وزملائها كانوا يدعونها بـ”الوحش!”. لذلك عادت والدتها راجيةً الأطباء أن يجدوا لها حلًا، مستشهدة ببث تلفزيوني شاهدته عرض طريقة جديدة لمعالجة تشوهات الجمجمة بعد حوادث مماثلة لحادثة ابنتها، على مستوى المستشفى الجامعي بمدينة ليموج الفرنسية، لكن العملية تكلف 570 مليون سنتيم، ما يتجاوز ميزانية العائلة. هنا بدأت الفكرة: لم لا؟ وحينها، بدأوا الخطوات الأولى لإنجاز المشروع وكان ذلك شهر أفريل 2017.
التقنيات المستعملة سابقًا
لدى آلاف المرضى بالجزائر تشوهات عظمية على مستوى الجمجمة، وذلك يرجع لسببين رئيسيَّين: إصابات على مستوى الرأس، أو عدوى على مستوى العظم بسبب مضاعفاتِِ بعد الجراحة. يقول الطبيبان أن الطريقة المستعملة سابقًا لإصلاح العطب تقليدية نوعًا ما، حيث تقوم على تغطية التلف الحاصل على مستوى الجمجمة يدويًا خلال القيام بالجراحة ذاتها، وذلك باستعمال اسمنت متوافق حيويًا (un ciment biocompatible)، الطريقة جد تقريبية ولا تهدف إلا لحماية الدماغ دون الاهتمام بالجانب الجمالي.
تنفيذ المشروع
قام الفريق بالتجارب الأولى على نموذج لجمجمة إنسان، حيث أحدثوا تشوهاتِِ بمختلف الأبعاد، ثم قاموا بإنجاز مقاطع جدّ رفيعة ( سمك 1مم) باستعمال ماسح التصوير المقطعي “سكانير” لنموذج الجمجمة، وبعدها طبّقوا تقنيات الهندسة الرجعية (Retro engineering) وذلك لإنجاز نموذج مطابق تمامًا للنموذج الموجود من قبل، عن طريق النمذجة المعلوماتية (modélisation informatique)، للوصول إلى إنجاز نموذج ثلاثي الأبعاد يوافق الفراغ الذي سببه التشوه. واجهتهم مشكلة سمك القطعة، كون سمك الجمجمة وبنيتها ليست متماثلة، لكنهم استطاعوا تخطي المشكلة باستخدام الدكتور لاصال لبرنامجِِ حاسوبيِِّ خاصّ، حيث قام بعزل سطح التأثير (la surface d’impaction) فتحصلوا على محاكاة رقمية دقيقة لقطعة عظمة الجمجمة .
صنع العظم الصناعي.
لإنجاز العظم الصناعيّ قام الفريق باستعمال طابعة ثلاثية الأبعاد معدّلة يدويًا، وبعد العشرات من التجارب وصلوا للنتيجة المرجوة بدقة 0.04 مم، ليكون العظم موافقًا تمامًا لحجم التلف الذي يرغبون بتغطيته. أمّا عن المادة التي تم استعمالها في صناعة العظم، فقد صرح الطبيب “شيخ” أنَّ المادة المستعملة في المستشفى الجامعي بليموج هي عبارة عن “سيراميك” باهض الثمن، أما المادة التي قاموا باستخدامها فهي أقل تكلفة منه بـ 6 مرات.
بالنسبة للتوافق الحيوي للمادة مع الوسط البيولوجي؛ فقد كان مقيّمًا مسبقًا بما أن المادّة المركبة معروفة ومستعملة من قبل والتجارب التي قاموا بها في المخابر كانت ذات نتائج مرضية، غير أنه تجب عليهم المراقبة الدائمة لتفاعل المادّة مع الوسط الحيوي أثناء وبعد إجراء العملية لتفادي أي مضاعفاتِِ ممكنة. وفيما يخصّ التعقيم، فقد وجدوا أن الطريقة الأنجع هي تلك التي تستعمل الأشعة ما فوق البنفسجية.
لقد أعدتم لي حياتي!
سارت العملية في ظروفٍ جيدة أين تم وضع العظم الصناعيّ بنجاحِِ وسطَ جوّ يسوده التوتر والخوف. ولكن بتوافق العظم الصناعيّ مع تشوه عظمة الجمجمة كانت الفرحة لا توصف إذ أنَّ كل التعب توِّج بالنّجاح أخيرًا، وكان طعم النجاح أحلى بعد تغيير الضمادة للمريض، فقد اندهش من مظهره الجديد وفي جو مشاعريّ خالص، قال لهم: لقد أعدتم لي حياتي.
يذكر أن تمويل المشروع كان على نفقة الفريق ومدخولهم الخاص، ولم يتلقوا أي دعم خارجيّ.
إِعداد: لبنى فتاتنيَّة.
تدقيق لُغويّ: عمر دريوش.
المصدر: العدد الخامس ( رقم 04 ) من مجلة Remed .