في عالمنا الذي نعرفه كلُّ فعلٍ لديه سببٌ وأثر، بحيث تأخذُ جميع الأجسام شكلًا أو آخر، وجميع الأشياء هي كما هي سواء إن كنت تراقبها أم لا، لكن في العالم الكميّ جميع تلك القواعد لا تُؤخذ بعين الاعتبار، فبواسطة التشابك الكميّ على سبيل المثال، يمكنك أن تجعل جسيمين كمّييّن يترابطان، ولو حدث وقمت بإرسالهما إلى طرفي الكون، وقمت بقياس إحداهُما، أيًا كان القياس الذي تحصل عليه من هذا الجسيم، فالجُسيم الآخر يأخذ فورًا قياسًا مُعاكسًا للذّي قمت بقياسه في الجسيم الأول بغض النظر عن المسافة. -حسنًا لننسى المسافة- يُمكن للجسيمات أن تتشابك حتى عبر الزمن.
ترحالٌ صغيرٌ عبر الزمن
لكي تفهم التشابك الكميّ، فكّر في زوج من القفازات، إذا فتحت صندوق القفازات ورأيت القفاز الأيمن، فأنت تعلم أنّ القفاز الآخر هو الأيسر، حتى إذا كان في مكانٍ لا يُمكنك رؤيته. لكن في التشابك الكميّ، يبدو الأمر كما لو أنّ فتح الصندوق ورؤية قفاز اليد اليمنى قد حوَّل القفاز الآخر الى قفاز اليد اليسرى – فعندها كلاهما كانا في حالة “تداخل” superposition مكونّة في نفس الوقت من القفاز الأيمن والأيسر إلى أن لوحظ أحدهما وقاما بتغيير حالاتهما بالنسبة لبعضهما البعض. هذا ما أطلق عليه آينشتاين “التأثير الشبحي عن بعد”.
اتضّح أنّ هذا التشابك يمتد إلى الزمن أيضًا، حيث قال جورج موسير “George Musser” في مجلة كوانتا “Quanta Magazine” عام 2013: “التأثير الشبحي في تأخُّر” كما أن فريقًا من باحثين في جامعة القدس أظهر بالفعل هذه الظاهرة الغريبة في المُختبر، كيف فعلوا ذلك؟ تابع المقال.
مصدر الصورة:https://curiosity.com/topics/entangled-quantum-particles-can-communicate-through-time-curiosity/
الشكل 1. مُخطَّطٌ زمني: (I) ولادة فوتون رقم 1 و2, (II) تعقُب الفوتون 1, (III) ولادة الفوتون رقم 3 و4, (IV) إسقاط جرسيّ للفوتون 2 و3, (V) تعقُب الفوتون 4.
في البداية، قام الفريق بشبك زوجٍ من الجُسيمات (الجسيمان 1 و2 في الخطوة الأولى (I) من الرسم البياني أعلاه). بعد ذلك، قاموا بقياس خصائص الجسيم 1 (ذلك في الخطوة الثانية (II) ) – وعندما تقيس أي شيء في نظام كميّ، فإنه هذا الشيء يعتبر ميت، لذلك يمكننا القول وداعًا للجسيم 1. في هذه الأثناء يستمر الجسيم 2 في الانطلاق، بينما قام الفريق بتشبيك زوج جديد من الجسيمات؛ 3 و4. بعدها قاموا بقياس الجسيم 3 مع الجسيم 2 بطريقةٍ نقلت علاقتهما مع أزواجهم القديمة إلى علاقتهما “2-3” الجديدة (وذلك في الخطوة الرابعة IV)، في هذه الأثناء يستمر الجسيم 4 بالانطلاق بمفرده إلى أن يقوم الفريق بقياسه، فيظهر أنّ هذا القياس قد ارتبط بقياس الجسيم 1، على الرغم من عدم وجود الجسيم 4 عندما مات الجسيم 1.
فهل تُرسل معلومات إلى المستقبل للتأثير على الجسيم 4، اثناء قياس الجسيم 1؟ وهل قياس الجسيم 4 يُغيّر من قياس الجسيم 1 بصورة رجعية؟ لا يُعتبر أيّ من السؤالان السابقان منطقيًا، لأنّه على الرغم من صعوبة فهم الأمر، لا تمتلك الأنظمة الكميّة خصائصًا محددّة، فتتغيّر خصائصها حسب وقت وكيفيّة قياسها، فكلا الخيارين صحيحين وغير صحيحين في نفس الوقت. انسى الأمر، إنّها ميكانيكا الكم!
الصورة تعني فوزك، النقش خسارتك
للحصول على مثالٍ أكثر واقعية، فكّر في هذه التجربة الفكرية التي أجراها فيزيائيّين من جامعة فيينا، يلعب آليس وبوب لعبة رمي النقود المعدنية، ويتناوبان سرًا على رمي عملة معدنية، فيرمي أحدهما العملة أولاً، ثم يكتب نتائجه وتوقعه عن نتائج الشخص الآخر على قطعة من ورق ثم يمرر هذه الورقة للشخص الآخر، الذي بدوره يقوم برمي عملته.
لنقل إنّ آليس رمت العملة أولاً وكتبت نتيجتها وتوقعها، ثم سلمت الورقة إلى بوب. تمتلك آليس فرصة بنسبة 50 في المائة لتكون على صواب بشأن توقعها لنتائج بوب، بينما بوب يعرف إجابة توقعّه لنتائج آليس مسبقًا من الورقة، لذلك سيكون لديه فرصةً بنسبة 100 في المائة ليكون على صواب. سيحدث العكس إذا رمى بوب العملة أولاً. ومهما كان ترتيبهما في رمي العملة، فإنّ متوسط النجاح بشكلٍ عام يصل إلى 75 بالمائة. لكن إن لم يكن ذلك في ترتيب معيّن، وقمنا بتبديل الورقة بجزيء كميّ ونتائج رمي العملة بقياسات ذلك الجسيم، فسنحصل على نسبة نجاحٍ تبلغ 85 بالمائة.
غريبٌ، أليس كذلك؟ يبدو الأمر كما لو أنّ رؤية النتائج يُحسّن بطريقةٍ رجعيّةٍ من فُرص اللاعيبين في التخمين بشكلٍ صحيحٍ، كما لو أنّهما يستطيعان النظر إلى المُستقبل. في الحقيقة هذا هو ما يُسمى بالتشابك الزمني، وهو ليس مجرّد تجربة فكريَّة وحسب، فإذا استطعنا أن نُسخرّه، قد يعني هذا شيء كبيرًا للتكنولوجيا المُستقبلية.
لقد قمنا بالفعل بالتلاعب بالإتصالات المشفرة باستخدام التشابك الكميّ عبر المكان، وإذا استطعنا القيام بذلك عبر الزمان فمن يدري أي نوع من الاكتشافات التي يُمكن أن تنشأ؟
المصدر: هــنـا
تدقيق لغوي: عماد الدين.ف