لقد حدث الانفجار العظيم قبل ما يقارب 13.7 مليار سنة. قبل هذا الوقت، يمكننا القول بأنّه لم يكن للوقت وجود، ولا للفضاء حتى. لو كان هنالك شيىء قبل الانفجار العظيم، لا يمكننا دراسته أو قول أيّ شيء بشأنه بسبب القيود التي تفرضها علينا فيزياء الكون. باختصار شديد، لا يمكننا الذهاب بالزمن إلى ما قبل الانفجار العظيم، ولهذا لا يمكننا معرفة ما كان يوجد هناك.
ولكن بما يخص الانفجار العظيم نفسه، ماذا يمكننا أن نقول عنه؟ على سبيل المثال، أين حدث؟ وسؤال آخر قريب، ما هو مركز الكون؟ في الواقع، هذا السؤال متداول جدا. قد يبدو أن الطريقة الأمثل والأكثر معقولية لتحديد مركز الكون هي القول بأنه حيث بدأ كل شيء -الموقع الأصلي للانفجار العظيم- ولكن هنالك أشياء يجب علينا أن نفهمها لكي نقتنع بأنّ هذا غير ممكن.
أولا، من المهم معرفة أن الانفجار العظيم لم يكن انفجارًا للمادة في الفضاء الفارغ -بل كان توسعًا مستمرًا للفضاء نفسه. هذا يعني بأنّ كل نقطة واحدة في الكون تَبدو وكأنّها في المركز. حاول أن تتخيل الكون وكأنّه بالون فارغ عليه نقاط عديدة. هذه النقاط تمثل مجموعات من المجرّات. كلما تضخم حجم البالون وازداد، كل نقطة عليه تبتعد عن الأخرى. وبالتّالي، الفضاء بين كل مجموعة من المجرات يتوسع، كما يحصل في الكون كله، في معدل تسارع. (الجاذبية تجعل مجموعات المجرات تحافظ على الحجم ذاته).
و بعبارة أخرى، انظر إلى الأمر وكأنه نقطة صغيرة جدًا جدًا قامت بالتوسع حتى حصلنا على الكون هذا. بشكل ملحوظ، هذه النقطة كانت الكون بأسره، بكثافة بالغة جدًا، ثم قامت بالتوسع. لذلك، لم يحدث الانفجار العظيم في نقطة واحدة من الكون وتوسع منها، بل حدث في كل مكان. كل الفضاء أخذ بالتوسّع.
لكي تكون الأمور أوضح، لقد كان الفضاء ينمو حرفيًا، في كل مكان. والأمر هو أن: الفضاء مازال يتوسع بنفس المبدأ. هذا لا يعني بأنّ ذرّاتك آخذه بالنمو (أو أن المادة تتوسع). الشيء الوحيد الذي يتوسع هو الفضاء.
لقد راقب أدوين هابل (Edwin Hubble) للمرة الأولى هذه الظاهرة في عام 1929، حيث لاحظ أنّ الضوء القادم من مجرات بعيدة كان يتحول إلى الطرف الأحمر من الطيف، كما ولو كان يمتد أكثر كلما سافر في الفضاء. عن طريق القيام بقياس أطوال الموجة للضوء، قام هابل بملاحظة ابتعاد المجرات عن بعضها البعض بمعدل يتناسب مع بعد الواحدة عن الأخرى.
في البداية كان الكون في نقطة واحدة. أين كانت تلك؟ كانت، وستبقى، في كل مكان. للعلماء يوجد دليل لهذا: الضوء من الانفجار العظيم، على هيئة اشعاعات كونيّة، يملأ السماء في كل الاتجاهات.