لإِلقَاء نَظرَة عَلى الخَلِية، كُنَّا بِحَاجَةٍ إلى المجهر والضوء والأشعة السينية والإلكترونات للتَّنظِير دَاخِل الأَنسِجَة والخَلايَا. واليَوم، بَدَلاً من الإعتِمَاد على البَصَرِيَّات اِكتَشَفَ البَاحِثونَ طَريقةً لِعَرضِ الخَلايَا باِستخدَام المَواد الوِرَاثية الخَاصَّة بِهَا. حَيثُ تَمَكَّن العُلَمَاء مِن تَتَبُّع أَليَاف الأَعصَاب التي تُشبِهُ الخُيُوط في جَميع أَنحَاء الدِّمَاغ، وحَتَّى مُشَاهَدَة أَجِنَّة الفِئرَان الحَيَّة باِستحضَار الخَلايا النَّابِضة للقَلب البِدَائِي. غَيرَ أَن هَذه التِّقنية (DNA microscopy) (مِجهَر الحِمض النَّوَوِي) تُنتِجُ صُورًا أَقلَّ وُضُوحًا من تلك المَوجُودَة في الفَحص المِجهَري التَّقليدي. وهُنَاك شَيءٌ واحد لا تَستَطيع هَذه المَجَاهر رُؤيتَه، وَهو مَا يَحدُث في الخَلايَا عَلى المُستَوى الجينِي.
كيف تعمل التقنية:
بدأ جوشوا واينشتاين (Joshua Weinstein) وزملاؤه بأخذ خلايا كانت قد نَمَت في المُختَبَر وتم تثبيتها في موضعها في طبق الزرع. أضافوا بعدها مجموعة متنوعة من جزيئات الحمض النووي (DNA) (تحصلوا عليها بالنسخ العكسي للحمض النووي الربي RNA). ثم أضافوا قِطعًا قَصيرة من الحمض النووي يمكن أن تلتقطها جزيئات DNA، بحيث كل قطعة تُشَكل عَلامة فَريدَة لكل جزئيَّة. بعد ذلك، استخدم الفريق تفاعلا كيميائيا لعمل المزيد والمزيد من النسخ لكل جزيء ذو علامات -كومة متنامية تتسع من موقع كل جزيء الأصلي-. ومع تراكم هذه النسخ، تبدأ في الابتعاد عن موقعها الأصلي.
يقول واينشتاين: “تَصوَّر كُل جُزَيء مُنفَرد كَبُرجٍ إذاعي يَبُث إشارَةً إلى الخَارِج”. بِمَعنَى آخَر، فَإن جُزَيئَات الـDNA الأصلية تُشبِهٌ أَبرَاج الرَّاديو تُرسِلُ رَسَائل في شَكلِ جُزَيئات DNA أُخرَى لِبَعضِهَا البَعض. حَيثُ يُمكِنُ للبَاحِثينَ اِكتِشَاف متى يَتَّصِل أَحد الأَبرَاج ببٌرجٍ آخر قَريب ويَستَخدِم نَمط الإرسَال بَين الأَبرَاج لِرَسم خَريطَة لمَواقِعِهم.
فِي النِّهَاية، وبِما أَنَّه بِمُواجهة كل جُزَيئَيْ الحِمض النَّوَوي مُتجَوِّلَةً بِبَعضِهِمَا البَعض، فَإِنَّهُما يَرتَبِطَان ويَنتُج حِمض نَوَوي فَريد مِن نَوعِه. والجُزَيئَات المَوسُومَة تَصطَدِمُ بِجُزَيئَات أُخرَى مَوسُومَة، مِمَّا يُجبرُها على الاِرتِبَاط مَعًا في أَزوَاج، وَمِنَ المُرجَّح أَن تَصطَدِمَ الجُزَيئَات المَوجُودَة بالقُربِ مِن بَعضِهَا البَعض، مِمَّا يُوَلِّد المَزيد من أَزوَاج الDNA، أمَّا الجُزَيئَات التَّي تَكُون أَكثَر بُعدَّا عَن بَعضِهَا البَعض سَتُوَلِّدُ أَزواجًا أَقَلّ.
ولِحِسَاب هَذِه الأَزوَاج، قَام البَاحِثُون بطَحنِ الخَلايَا وتَحليل الحِمضِ النَّوَوِي الذِي تَحتَويهِ. حِينئذ يُمكن لخَوَارِزمِية الكُمبيوتَر اِستِنتَاج المَوَاقع الأَصلِيَّة لِجزَيئات الحِمض النَّووي لإنشاء الصُّورَة، حَيث تُوضح آلة تَسلسُل الحِمض النَّوَوي حُروفَ كُلِّ جُزَيء دَاخل العَيِّنَة، والتي تَستَغرِق في عَمَلها ما يَصل إلى 30 ساعة.
تَقُوم بَعدَ ذَلك الخَوارزمية التي أَنشَأَها الفَريق بفَك تَشفير البَيانات -والتي تُمَثل في الوَرقَة مَا يقارب الـ 50 مليون حرف من الحِمض النَّوَوي للمَقَاطع الجينية من كل عَينة أصلية- وتحويل البيانات الأولية إلى صور.
يقول وينشتاين: “إنكَ قَادِر بِشَكلٍ أَسَاسي عَلى إعَادة بنَاء مَا تَرَاه بالضَّبط تَحت المِجهَر الضَّوئي”.
لتَحديد مَدَى نَجَاح هذه التِّقنية، اِختبرها البَاحِثُون على خَلايا تَحمِل جِينَات إما لبروتينات خَضراء أو حَمراء، والصورة التي تم إنشاؤها بِواِسطَة مِجهَر الDNA لم تَكُن حَادَّة مثلَ تلك التي حَصَل عَليها البَاحِثُون باِستخدام المجهر الضوئي، لكنها مَيَّزَت بين الخلايا الحمراء والخضراء وراثيًا. بالإضَافة إلى ذلك، وحَسَبَ “وينشتاين” فإن هذه التقنية تعطي ترتيبًا للخلايا، ما يجعلها ربما مفيدةً في تَحليلِ عَينةٍ مِن عُضوٍ في جِسمٍ بَشَري على سَبيل المثال.
ما يميز التقنية:
- الفَحصُ عَبرَ مِجهَر الDNA يُمكن أن يَفعل بَعض الأشياء التي لا يَستَطيع فِعلَها المِجهَر الضَّوئي، فقد يُتيح للعُلمَاء في قَادِم الأَيَّام من تَسريع عَمَلية تَطوير عِلاجَات مَنَاعِيَّة تُسَاعِد أَجهزة المَنَاعة لدَى المَرضَى على مُكافحة السَّرطَان، حَيث أن الطَّريقَة قَد تُحَدد الخَلايا المَنَاعية الأنسب لاِستهداف وَرَم مُعَيَّن، عَبرَ التمييز بين الخلايا ذات الاختلافات في الحمض النووي، مِثلَ الخلايا السَرَطانية ذات الطَّفرات المُحَدَّدَة أو الخَلايا المَنَاعية، والتي غَالبا مَا تَكون فَريدَةً مِن النَّاحية الوِرَاثية بعد خلط الحمض النووي.
- مع تطور نظامنا العصبي، غالبا ما تنتج الخلايا حمض نووي ريبي (RNA) فريد من نوعه يُمَكِّنُها من صنع بروتينات مُتَخَصِّصَة، ويمكن أن تساعد هذه التقنية الباحثين أيضا على استكشاف هذه الخلايا.
إن الهدف ليس استبدال المجهر الضوئي، فالطريقتين متكاملتين حيث يمكن للمجهر الضوئي رؤية الجزيئات جيدا حتى عندما تكون متفرقة داخل عينة، بينما يقوم بذلك مجهر الDNA عندما تكون الجزيئات كَثِيفَة. كما أن الفحص المجهري للحمض النووي سيكون ذا قيمة إذا كان بإمكانه إنتاج صور للخلايا ثُلاثِيَة الأَبعَاد.
تدقيق لغوي: أنس شيخ
تصميم: رامي نزلي