إن العبارة الفرنسية déjà vu تعني حرفيا «رأينا بالفعل» أو «شوهد من قبل»، وكلُّ من اِختبر أو جرب هذا الشعور يصِفه بأنه شعورٌ بالإلمام التام بشيء لا ينبغي أن يكون مألوفًا على الإطلاق، كأن تكون على دراية بذوق أحد الأطعمة التي لم تتذقها ولا مرة في حياتك.
لنفترض على سبيل المثال أنك جالس مع أصدقائك أو في جلسة عائلية تتجاذبون أطراف الحديث وتتناقشون في موضوع ما، وفجأة يبدو لك وكأنك قد عشت هذا المشهد من قبل، ويتولد لديك شعور بأنك قد اختبرت بالفعل هذا الشيء، نفس الأصدقاء، نفس العشاء، نفس الموضوع.
يُفسر البعض هذه الظاهرة على أنها محاكاة للواقع الذي يجعل البشرية غير مدركة أن الآلات الذكية قد استولت على العالم بالفعل، هذا التفسير مثالي للخيال العلمي، لكنه لا يعطينا أي تفسير علمي لهذه الظاهرة.
يرتبط شعور déjà vu بالغموض، وبأنه شيء خارق وعابر، وعادة ما يكون غير متوَقع، والأشياء التي تثير اهتمامنا بشأن déjà vu هي نفس الأشياء التي يصعُبُ دراستها، لكن العلماء حاولوا دراسة هذه الظاهرة باستخدام عدة طرقٍ مثل التنويم المغناطيسي والواقع الافتراضي.
في دراسة أجرتها مجموعة “Leeds Memory Group ” عام 2006 حاول العلماء إعادة إنشاء و خلق ظاهرة déjà vu بشكل فعال في المختبر، فقد أنشأ الباحثون أولاً ذاكرةً للمرضى الذين كانوا تحت إثر التنويم المغناطيسي. كانت هذه الذاكرة شيئًا بسيطًا مثل اللعب بلعبة أو النظر إلى كلمة مطبوعة بلون معين، بعدها أُعطي للمرضى اقتراح إما بنسيان الذاكرة أو تذكرها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي لاحقًا إلى الشعور بالحيرة عندما يواجهون اللعبة أو الكلمة.
علماءٌ آخرون حاولوا استحضار déjà vu باستخدام الواقع الافتراضي، فقد وجدت إحدى الدراسات أن المشاركين أفادوا بتجربة déjà vu عند الدخول إلى لعبة فيديو للواقع الافتراضي، عندما أُنشئَ مشهد لرسم خريطة لمنطقة مشابهة لمكان آخر.
دفعت هذه التجارب العلماءَ إلى الشك في أن déjà vu قد تكون ظاهرة في الذاكرة، فنحن نواجه حالة تشبه الذاكرة الحالية ولكن لا يمكننا تذكر تلك الذاكرة بشكلٍ كامل. يُدرك دماغنا أوجهَ التشابه بين تجربتنا الآنية والتجربة في الماضي أين يكون ذاك الإدراك مغلفًا بنوع من الأُلفة التي لا نعرف سببها.
على غرار هذا التفسير، توجد العديد من النظريات التي تحاول تفسير سبب تعطل ذكرياتنا بهذه الطريقة، فيقول البعض أن الأمر يشبه قصورًا في الدوائر داخل دماغنا، يؤدي إلى ذاكرة طويلة المدى ضد ذاكرة قصيرة المدى، بحيث تذهب المعلومات الجديدة مباشرة إلى الذاكرة طويلة المدى بدلاً من التوقف في بنك الذاكرة قصيرة المدى. بينما يلوم آخرون اللحاء القشري، وهو نطقة في الدماغ تشير إلى أن شيئًا ما يبدو مألوفًا، حيث يشتغل بطريقة ما دون لجوئه لمساعدة الذكريات.
نظرية أخرى تقول أن déjà vu ترتبط بذكرياتٍ زائفة أو ذكريات تبدو حقيقية ولكنها ليست كذلك. سيكون هذا الشكل من déjà vu مشابهًا لذلك الشعور عندما لا يمكنك التفريق بين شيء حدث حقًا مقابل حلمٍ ما. ومع ذلك بدأ الباحثون في صدِّ هذه الفكرة.
استخدَمت إحدى الدراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لفحص أدمغة 21 مشاركًا، حيث واجهوا نوعًا من déjà vu تمَّ تحفيزه داخل المختبر. ومن المثير للاهتمام أن مناطق الدماغ المشاركة في الذاكرة مثل الحصين “the hippocampus” لم تشتغل كما كان نظن بخصوص كون الشعور مرتبط بذاكرة مزيفة. وبدلاً من ذلك، وجد الباحثون أن المناطق النشطة في الدماغ هي تلك المشارِكة في صنع القرار. لا يزال العلماء يفسرون هذه النتيجة أن بإمكان déjà vu أن يكون عوضًا عن ذلك، نتيجةً لأدمغتنا التي تُجري شكلاً من أشكال حل النزاعات. بعبارة أخرى يفحص دماغنا ذكرياتنا بحثًا عن أي تعارض بين ما نعتقد أننا شهدناه، مُقابل ما حدث لنا بالفعل.
تدقيق لغوي: أنس شيخ.