إن معظم الإستراتجيات التي نسمع عنها المتعلقة بالتقليل من إنبعاث الغازات الدفيئة، ترمي إلى البحث عن سبل التقليل من إطلاق الكربون في الهواء، سواءً انتقالنا من الاعتماد على الطاقة الأحفورية*، إلى الطاقات المتجددة لتوليد الكهرباء، قيادتنا لسيارات كهربائية أو تلك التي تعمل على الهيدروجين، أو الكبح من تأثيرنا على الجو عبر انتهاجنا لنهج فلاحي صِرْف.
لكن ماذا عن الغازات الدفيئة، التي انطلقت وتحبس فعليا الحرارة في الجو الآن؟ الإجابة هي عن طريق إلتقاط الكربون وتخزينه، تكنولوجيا جديدة تصبو إلى شفط الكربون الملوث مباشرةً من الهواء حولنا. أول منشأة تجارية لشفط الكربون ستفتتح خلال هذه السنة من طرف مؤسسة (كليمووركس) التي تبني فرعًا لها بضواحي زيوريخ.
منشأة شركة (كليمووركس ــ Climeworks) التجريبية المتوقع لها بدأ العمل في سبتمبر، أو أكتوبر، لن تسحب الكربون وتقوم بترشيحه من الهواء فحسب، وإنما ستعيد توظيف الكربون المتراكم علي شكل منتج قابل للتسويق.
تزمع المؤسسة بيع كربونها المتراكم إلى ثلاثة أطراف (مثل البيوت الزجاجية التي تستعمله في أغراضها الفلاحية كغرس الخضر) و لكنها أيضا اعتمدت متعاملين آخرين مثل شحنها إلى صانعي المشروبات الغازية لإستعماله في تغزية مشروباتهم.
المبدأ الذي تستعمله كلييمووركس يسمى “السحب المباشر للهواء” أين تتولى آلة تجميع و شفط الهواء من خلال مصفاة شبيهة بالاسفنجة و معالجة بمواد مستخرجة من الأمونيا (النشادر). هذه المصفاة تكتل غاز الكربون داخلها و الذي يعاد تحريره عن طريق تسخينها.
بتطور هذه المنشأة الزيوريخية فإن كلييمووركس تصبو لإستخراج ما يتراوح من 2 الى 3 أطنان من غاز الكربون يوميا من الجو. قد يبدو هذا كثيرا، و لكن في حقيقة الأمر إنه يضاف إلى عائلة الملوثات ، 200 سيارة (اي 900 طن) سنويا، و هذا ما يعتبر قطرة في بحر مقارنة بال40 مليار طن من الكربون التي يطلقها الإنسان في الجو كل سنة. و بالتالي فإن تأثير إستراتيجية كليمووركس لن تكون ملحوظة إلا إذا تراجعت التكنولوجيا عن التلويث بصفة بارزة و على نطاق واسع.
من المزايا التي تحسب لهذا النظام هو أن منشأة “السحب المباشر للهواء” يمكن تنصيبها في أي مكان.
الشيئ المميز في هاته الطريقة هو أنه يمكنك استخدامها حيثما كنت على هذا الكوكب.أدلى السيد دومينيك كروننبرق (المدير التنفيذي العام لمؤسسة كلييمووركس) بتصريح لموقع نيوساينتست New Scientist يقول فيه “إنك لن تكون مرهونا بمصدر غاز الكربون، و هذا ما يوفر عليك تكاليف التنقل إلى مكان وجوده” .
لتوسيع نطاق استخدامها، على الكربون المحصل أن يكون اقتصاديا، و لحد الآن نجد أن اكبر عقبة قد تكون عقبة السعر، الذي يقدر بحوالي 600 دولار للطن، أي أن نظام كلييمووركس نظام مكلف للتقليل من نسبة الكربون في الجو، و هذا هو السبب الرئيسي الذي يفتح باب الانتقاد اللاذع كون الكربون المحصل عليه مجرد وهم اكثر من كونه استراتيجية ناجعة لمكافحة التغير المناخي.
المهندس هاورد هرزوغ من مبادرة الطاقة لجامعة م اي تي، في تصريح لموقع نيو سينتيست يقول “أظن أنه يمنحنا آمالا زائفة”
فيم يرى أنه قد إستغرق من المستهلك و المصنع على حد سواء عقود من الزمن للإلتفاف حول خيارات الطاقة البديلة الطاقة كالشمسية، و الرياح و طاقة المياه. يضيف هارزوغ متسائلا: “لماذا علينا أن نتوقع من الأجيال القادمة أن تتبنى تدابير و إحتياطات مكلفة للغاية في التعامل مع مشكلة غاز الكربون؟”
لكن على الرغم من التساؤلات التي لدى البعض حيال “تكتيل الكربون”، لا يمكن إنكار أن هذه التكنولوجيا واعدة جدا بإعتبار أن هندسة الكربون بكندا و المخابر العالمية بنيويورك تعمل هي الأخرى على إرساء منشأت “السحب المباشر للهواء”
- “في حين لا يوجد حل سحري لإنهاء أزمة المناخ، فإن إستعمال وقود السحب المباشر للهواء قابل للتطوير على عكس الوقود الحيوي، ذلك أنه لا يتطلب مساحة أو موارد اضافية” دافيد كايث مهندس كربون ل نيو ساينتيست.
علينا الترقب و الانتظار لرؤية نموذج منشأة كليمووركس ينجح لاحقا ، و لنأمل أن يكون لهذه التكنولوجيا الطموحة ما تضيفه إلى الجهود المبذولة للتقليل من إنبعاثات الكربون.شيء واحد مؤكد، مع الإرادة الجامحة لتغير المناخ و التي أصبحت جلية أكثر من ما مضى، فإننا بحاجة إلى أكبر عدد من الحلول الناجعة ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا.
المصدر : إضغط هنا
ترجمة: أيمن خيثر
التدقيق اللغوي العربي : مونيا حناشي