يعتبر الألم من أكثر الظواهر التي يكتنفها الغموض، بحيث يعبّر الألم عن الخبرات المبكرة التي يعيشها الإنسان منذ اللحظات الأولى من العمر و حتى الممات، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض لم يتعرض بشكلٍ أو بآخر لأحد مظاهر الألم، خاصة وأنّ هذا الأخير يؤثر على جميع الجوانب الحياتية -النفسية والاجتماعية- للمريض عند استمرار ظهوره خلال فترات طويلة، كعرض مزمن ولا يتمكن المريض من القيام بالنشاطات اليومية المعتادة.
ورد في لسان العرب لابن منظور أنّ الألم: بمعنى الوجع، وجمعها آلام، والأليم أي الموجع والعذاب الأليم بمعنى الذي يبلغ غاية البلوغ الأليمة، ويُقال: ما أخذ أليمه وألمًا وهو الوجع (1).
قدمّت الجمعية الأمريكية العالمية لدراسة الألم “LASP” تعريفًا للألم بأنّه خبرة انفعالية، وحسيّة غير سارة مرتبطة بوجود تضرر حقيقي أو كامن في النسيج الحي أو يمكن وصفه من خلال مفاهيم مثل هذا التضرر. (2)
إذن الألم هو ظاهرةٌ فسيولوجيةٌ، عصبيةٌ دماغيةٌ، تتميز بإدراك إحساسات مزعجة وغير مريحة (مؤلمة) على مستوى أعضاء الجسم، تؤثر على الحالة النفسية والجسمية للفرد.
تصنيف الألم:
قدم كل من «تيرك – Turk» و«ميلزاك – Melzack» سنة 1992 تصنيفًا للألم، يعتمد على خمسة أنماط مختلفة:
- « الألم الحاد – Acute Pain »: وغالبًا ما تكون قابلة للتحديد الموضوعي ومثارة من خلال سببٍ قابل للتحديد (مرتبط بوجود تضررات في النسيج أو لالتهابات أو لإصابة أثناء التدخلات الطبية)، أو ذات مدة زمنية محددة (ساعات ،أيام ،أسابيع)، وقابلة للمعالجة، وغالبًا ما تقتصر العواقب النفسية لهذه الآلام على الخبرة العابرة للقلق والإرهاق.
- « الألم الانتكاسي الدوري – Acute Recurrent Pain »: وهي الآلام المتكررة بصورة منتظمة (كالشقيقة وآلام الظهر والبطن)، وغالبًا ما تكون الآلام الانتكاسية صعبة، وظهورها غير قابل للتنبؤ، ويمكن أن تعالج بصورة عرضية، وترتبط هذه الآلام بعوامل اجتماعية (أحداث حياتية مزعجة، مواقف إرهاق في الأسرة والمدرسة)، عوامل خارجية (كتأثيرات الطقس، الأغذية)، عوامل شخصية (الانفعالات، المزاج، العوامل المعرفية).
- « الألم المزمن – Chronic Pain »: والذي يظهر كنتيجة لإصابات عضوية دائمة أو نتيجة لمرض أساسي مزمن، ويستمر هذا الألم لفترة طويلة من الزمن (من 6 أشهر إلى أعوام).
- « الألم ذو الطبيعة التصاعدية – Chronic Progressive Pain »: وهي الآلام التي ترتبط بالأمراض ذات الطبيعة التصاعدية (روماتيد المفاصل والسرطان)، وغالبا ما تسوء هذه الآلام مع الوقت.
- « الألم المحدث معمليا – Laboratory – Induced Pain »: وهي الآلام الناتجة عن استخدام مثيرات حسية مؤلمة كالوخز أو الصدمة الكهربائية، ويتم إحداثه في مواقف معملية. (2)
العوامل المؤدية لظهور الألم:
لم يتمكن الباحثون والعلماء إلى حد الآن من وضع سببٍ واضحٍ محدد للألم، ولكن نجد أنّ بعض الدراسات أوضحت بعض الأسباب المتمثلة في:
1- عوامل نفسية:
ترى المدرسة التحليلية أنّ للألم معاني نفسية تكوّنت من خبرات الطفولة، فهو طريقة للحصول على الحب أو العقاب للنفس تحت تأثير الشعور بالذنب، والمريض يستخدم في ذلك حيلا دفاعية هي (النقل، الاستبدال، الكبت)، وثمة دور لذلك لحيلة دفاعية عندما يكون موضوع الحب لدى المريض (أحد الوالدين) يعانون ألما، ويكون لحيلة الترميز هذا الدور عندما يمثل الألم تعبيًرا عن وجدان غير متبلور. (3)
كلّ إنسان يعاني إحساسًا بالذنب يحتاج للألم، ووظيفة العقل هنا أن يستخرج من الذاكرة خبرة ألم سابقة، ويحركها نحو جزء من الجسم ليشعر بإحساس الألم، أي يصدر أمرًا لجزء من الجسم كي يتألم، وحين يشتد الألم أكثر فأكثر يخِّف إحساس الإنسان بالذنب حتى يتوارى ويختفي. (4)
2- عوامل بيولوجية – معرفية:
أثبتت الأبحاث أنّ العقل يتفاعل مع الألم داخل قشرة المخ وجهاز الأعصاب الطرفية، فعندما يشعر الإنسان بالقلق عن طريق تفاعل المخ مع الحدث يعمل الشعور بالقلق على تضخيم الإحساس بالألم، وقد تزداد شدة الألم بسبب نقص إفراز موادٍ أخرى تعمل على تثبيط الإشارات العصبية كمادة الأندروفين. (5)
تتفاعل شدة الإحساس بالألم مع الفترة التي يستغرقها الألم، في التأثير على المشاعر غير السارة المدركة، وفي الانفعال الثانوي الناجم، وذلك من خلال شبكة مركزية من الأبنية الدماغية التي تقوم بمعالجة المعلومات المدركة داخل إطار الخبرة المؤلمة، ممّا يساهم في إثارة العواطف القوية التي يخبرها الفرد أثناء الألم، والتي يمكن لها بحد ذاتها أن تفاقم من الألم، فخبرة الألم الكلية إذن هي ذلك النتاج المعقد الناجم عن تفاعل هذه العناصر جميعها. (6)
3- عوامل بيئية – اجتماعية – ثقافية:
ترى نظرية التعلم أنّ سلوكيات الألم تُعزز عندما تُكافؤ، وتُثبط عندما يحصل تجاهلها أو عقابها، فعندما يتعود الشخص أن يشكو من الألم يعطيه الاهتمام المحيطين به، وأنها تجنبه الأنشطة التي يكره مزاولتها، فإنّ شكوى الألم سوف تُعزز لديه، ومن ثم فإنّ التربية المحيطة تنتمي لهذا الاضطراب أو تحيطه. (3)
وتلعب الثقافة دورًا مهمًا في عملية إدراك الفرد وكيفية إدراكه للألم واستجابته للأعراض التي يعاني منها، فعلى سبيل المثال توصل «جرين – Green» وآخرون في عام 2003 إلى أنّ الألم المزمن يؤثر سلبًا على نوعية الحياة والحالة الصحية للأمريكيين السود أكثر بكثيرٍ من تأثيره على الأمريكيين البيض.(2)
إنّنا نجد الأفراد في بعض الثقافات يشكون من الألم بصورة أسرع ويستجيبون للألم بدرجة أكبر من الأفراد في الثقافات الأخرى، وقد تكون هذه الفروق في المعايير الثقافية المتعلقة بالتعبير عن الألم وأحيانًا من الفروق في ميكانيزمات الألم. (6)
تشخيص وتقييم الألم:
يمكن أن يستعين الفاحص بمقاييس تساعده على تقييم الألم لدى المرضى، وذلك من خلال استعمال مقاييس تقريبية لوصف درجات مختلفة للألم، فنجد مثلًا:
1- الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية DSM5 من أجل معرفة الأعراض الشائعة للألم وتصنيفها. (2)
2- مقاييس أدائية مثاله : (8)
– « المقياس البصري الأدائي – Echelle Visuelle Analogique »
– « قياس الألم باستخدام الوجوه – Faces Pain: L’échelle des Visages »
– « مقياس التصنيف اللفظي – Echelle Visuelle Analogique »
الأساليب السيكولوجية لعلاج الألم:
1- العلاج السلوكي:
يعتمد على مبادئ نظرية التعلم والتي تمّ استخدامها في تفسير الألم، ففي عام 1970 قام عالم النفس «فروديس – Frodis» باستخدام مبادئ الإشتراط الإجرائي لشرح الألم، كما قام بوصف برامج تطبيق وأساليب معتمدة على التعريض، وهذا من خلال تشجيع المرضى الذين يعانون من الألم على تعريض أنفسهم إلى السلوكيات والأفكار والمشاعر التي يجتنبها بشكل نمطي، والفكرة الأساسية هي أنّ التعرض يُحدث انخفاض في الخوف والكدر الوجداني، وهذا بدوره ينعكس بانخفاض مستوى الألم والعجز. (2)
2- العلاج المعرفي– السلوكي:
تُستخدم فيه أساليب فعالةٌ تعتمد على تعزيز سلوك الألم، وتدريبهم على مهارات التنظيم والضبط للسلوك، مثل: التدريب على الاسترخاء، المواجهة المعرفية، التعليم الذاتي، صرف الانتباه، إعادة البناء المعرفي، التخيل الإيجابي والتدريب على حل المشكلات، وهو ما يزيد من قدرة المريض على التحكم في الألم والسيطرة عليه.(7)
3- العلاج بالإسترخاء:
تُستخدم الأساليب الإسترخائية مع مرضى الألم بشكلٍ واسعٍ، ولعّل أحد مبرّرات تعليم المرضى أساليب الإسترخاء هو تمكينهم من التعامل مع الضغوط والقلق والنجاح، بالإضافة إلى تخفيف خبرة الألم، ويمكن للإسترخاء أن يؤثر في الألم مباشرة، فالتخفيف من توتر العضلات أو تحويل تدفق الدم الذي يمكن أن ينجم عن الإسترخاء قد يخفف من الألم المرتبط بهذه العمليات الفسيولوجية. (6)
إذن فالألم هو ناقوس الخطر الذي يُنّبه الإنسان بوجود الخلل في صحته، والتي يكون قد فقد جزءً كبيرًا منها، بحيث قد يظهر الألم كعرض في كثير من الأمراض الجسدية والنفسية وقد يكون مرضا في حد ذاته.
_________________
المصادر:
1- ابن منظور، (1999)، ” لسان العرب معجم لغوي علمي “، (د ط)، بيروت، لبنان .
2-أحمد حسانين أحمد، (2011)، ” سيكولوجية الألم “، ( ط 1 )، ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر .
3-ناصر بوركلى حسن، (2003)، ” الصحة النفسية والاضطرابات النفسية والسلوكية “، ( ط 1 )، دار ابن النفيس، دمشق، سوريا .
4-عادل صادق، (1986)، ” الألم النفسي و العضوي “، ( د ط )، توزيع الأهرام، القاهرة، مصر.
5-عبير مبارك (2012)، ” الألم المزمن و طرق علاجه ”
6-شيلي تايلور، (2008) ، ” علم النفس الصحي “، ( ط 1 )، ترجمة : وسام درويش بريك، فوزي شاكر طعيمة داود، دار الحامد، عمان، الأردن .
7- عادل عبد الله محمود، (1999)، ” العلاج المعرفي السلوكي أسس و تطبيقات “، ( د ط )، دار الرشاد، مصر.
8- Karim Hamadachi , (2009) , Utilisation des outils d’évaluation gérontologique standardisée au quotidien , formation pratique DIV coordination EHPAD .
تدقيق لغويّ: زينب هلالي، أميرة بوسجيرة، عماد الدين.ف