– دراسات جديدة تعيدُ حساب إحدى أهمّ المقادير الفيزيائية –
إذا كنت تشعر بأنك خسرت بعضا من الوزن، فلعل الفيزيائيين هم السبب، وليست حِميتك الجديدة؛ فقد أوضحت دراسات حديثة أن كتلة البروتون كانت أصغر بنسبة 30 مليارا بالواحد بالمئة (0.0000000003) مما اعتقدنا سابقا.
من المفهوم ضمنيا، بأن هذا الجزيء لم يغير حجمه، لكنّ التجارب الحديثة طرحت التفكير مجددا بشأن وزنه. وعلى نحو غريب، وبينما أصبح الحساب أكثر دقة بثلاث أضعاف، لم يفهم أحدا لم وجدنا رقما مختلفا.
استخدمت التجارب التي أجريت من قبل « معهد ماكس بلانك للفيزياء النووية – Max Planck Institute for Nuclear Physics » في ألمانيا حقولا مغناطيسية من أجل حصر بروتون في “الفراغ” بدرجة حرارة تقارب الصفر المطلق، حيث شاهدوه يتجول في الأرجاء. وعبر تحديد سرعة الجزيء، كان بإمكانهم أيضًا تحديد الكتلة مقارنةً بنواة الكربون 12 وجزيء آخر من الهيدروجين في تردد معين.
وللمهتمين، لقد أصبحت كتلة البروتون الذرية الآن 1.007276466583، والتي تختلف قليلا عن الرقم السابق 1.007276466879، وذلك حسب توثيق جمعية « بيانات للعلم والتكنولوجيا – the Committee on Data for Science and Technology ». قد يبدو الاختلاف ضئيلا جدا، ولكنه يبقى بدون سبب معروفٍ لحدّ الآن.
” مؤكّد أنه في أغلب الأحيان لا يتعلّق الأمر إلا بالأخطاء التجريبية” علّق « بيتر مور – Peter Mohr »، عضو من الجمعية.
يخضع البحث الآن للمراجعات في موقع https://arxiv.org حيث أصبح بإمكان مجتمع الفيزيائيين أخذ نظرة مقربة للحسابات الجديدة. مع دقة 32 جزء في الترليون، يعتبر الفارق الجديد تحسينًا للرقم السابق بمعامل قدره ثلاثة؛ بينما يعمل الباحثون الآن على خطة لتغيير التجارب من أجل جعل الحسابات أكثر دقة.
تماما مثل « ثابت بلانك – Planck constant » (الذي تغير حديثا أيضا) وسرعة الضوء، تعتبر كتلة البروتون مقدارا مهمًا في الفيزياء، إذ يُستعمل لتعيين القيمة المحددة في التحليل الطيفي والتي تدعى « ثابت ردبرغ – Rydberg constant ».
هذا قد يساعد الفيزيائيين أيضا في الإجابة على السؤال البديهي: “لماذا المواد موجودة، أو معدومة؟”
بالتأكيد، لا مجال للشك في وجود المواد بالفعل، لكنه نظرا إلى أن المادة والمادة المضادة لديهما عادة سيئة في إلغاء بعضهما البعض، بسبب الانفجار في الإشعاعات، يجب أن يكون هنالك فرقا أساسيا بمقدار المادة والمادة المضادة التي تكونت في بداية الكون، والذي بدوره كوّن المواد الموجودة اليوم من حولنا. ربّما علينا أن نلقي نظرة أكثر عمقا على بعض الفيزياء لنفهم أكثر !
تجتمع كلّا من الشحنة، التكافؤ في الأبعاد المكانية والزمن، في نظرية أساسية للتناظر تدعى « نظرية الـCPT – CPT Theorem ». وتتطرق إلى المركبات الثلاثة للمادة: الشحنة – Charge، التكافؤ – Parity والزمن-Time.ولكل واحدة من هذه المركبات خصائص تناظر تنطبق عليها.
ويعتبر التناظر في الفيزياء، المبدأ الذي ينص على أن خصائص المواد مثل الذرات والجزيئات لا تتغير عندما يتم خضوعها لعدة “تحولات تناظرية”. فمنذ الأيام الأولى لفلسفة الطبيعة (ومنذ أيام فيثاغورس في القرن السادس بعد الميلاد !)، جذبت ظاهرة التناظر الانتباه وخاصة في قوانين الفيزياء والطبيعية والكون ككل. ولقد تضمنت كلتا النظريتان المذهلتان اللتان ظهرتا في القرن العشرين: النسبية وميكانيكا الكم، مفاهيم التناظر بشكل أساسي.
أما بالنسبة لنظرية تناظر المركبات (CPT) بشكل خاصّ، فإنها تتعامل مع أسئلة كهذه: هل النواة تتصرف بطريقة مختلفة إذا عكسنا مكانها الكوني؟ هل نستطيع بأن نجعل الزمان يتحرك للوراء بدلا من التقدم؟ هل تستطيع جزيئات المادة أن تتحول إلى مادة مضادة؟
بمثال بسيط، يمكن تشبيه التغييرات التي تطرأ في خصائص التناظر بالمرايا، حيث تنعكس بعض خصائص النواة. انعكاس المرآة الحقيقية يعطينا مثالا جيدا لهذا، حيث أن المرآة تعكس الأبعاد المكانيّة، ونتيجة لذلك لو وضعنا يدنا اليمنى أمامها سوف تبدو وكأنها اليسرى، وهذا ما يسمى بتأثير تحوّل التكافؤ (بالرغم من أن تحوّل التكافؤ الأصلي عليه أن يعكس المحاور الثلاث وليس واحدا فقط).
بعد القيام بتجارب على « الاضمحلال الإشعاعي – Radioactive decay » والتي بيّنت أن الأشعة المنبعثة (أشعة بيتا) اتجهت باتجاه معاكس لما كان متوقّعا؛ تم إدخال « تناظر التكافؤ – Parity symmetry » إلى قوانين الفيزياء رغم أنه، وإلى حلول عام 1957، ساد الاعتقاد أن هذه القوانين ستبقى ثابتة تحت هذا النطاق.
وبتعبير أبسط، إذا وجدنا مشكلة مع هذه النظرية – إيجاد فروقات في كتلة البروتونات والبروتونات المضادة تُحسب كمشكلة، ومشكلة كبيرة أيضا- سوف يتوجب علينا أن نلقي نظرة على السبب من وراء سيطرة صورة معينة من الصور المتناظرة للمادة؛ وهذا قد يتطلب تجربة مماثلة وفائقة الدقة على البروتونات المضادة، لإيجاد أي فروقات في بيانات التجربة.
لقد تمّت مثل هذه التجارب بالفعل، ففي العام الماضي، توصلت « سيرن-المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية – European Organization for Nuclear Research »، إلى كتل جديدة لمضادات البروتون والتي تلاءمت مع قياس كتلة البروتون السابق، مما لم يستدعِ إعادة التفكير في نظرية الـCPT.
هناك فرصة ضئيلة للتجارب المستقبلية بأن تجد فرقا صغيرا، ولكن من غير المرجح بأن هذا التغير في كتلة البروتون قد يكون إشارة لشيء رائع. “عادةً، نحن لا نكسر القواعد التي بين أيدينا استنادا إلى مبادئ جديدة،” يقول مور.
ووفقا لـ « هامش ونستون – Hamish Johnston » في موقع http://physicsworld.com/ ، فإن دقة أكبر في كتلة البروتون قد تساعدنا على شرح سبب ظهور نصف قطر الجزيء في التجارب بنسبة 4 بالمئة أصغر مما تتوقع النظرية.
في الوقت الراهن، نتوقع أن هذه التغيرات سوف تكون الحدث الأعظم في أيّام قادمة لأنصار الحميات الغذائية: اخسر بنسبة 30 بليون بالمئة من وزنك، دون أن تحاول ذلك أصلا !
المصادر: هنا – هنا – هنا – هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغويّ: Amira Bousdjira