درجة الخطورة مرتبطة حتما بمدى طول وقوة التعرض للإشعاعات الصادرة, لكن لا زلنا نجهل حجم الخطر ومعناه
قبل أن تلقي بهاتفك النقال في القمامة أو تفكر في كيفية للتخلص منه، لا بد من عرض دقيق للبيانات -مع الأخذ بعين الاعتبار واقع الحياة اليومية للانسان-. وهذه هي الحقائق:
البرنامج القومي لدراسة السموم (NTP) اختتمت لتوها دراسة ضخمة استمرت لسنتين حول المخاطر الصحية المحتملة لاستخدام الهاتف المحمول, التجارب تمت على عينات من الجرذان والفئران باستعمال محدد الترددات في حقل الموجات الصغرى الكهرومغناطيسية (RF-EMF) المستخدمة حاليا في صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية في الولايات المتحدة .
اختار برنامج NTP نشر النتائج الأولية التي تمت على الفئران، بدلا من الانتظار. وجدت هذه الدراسة أن التعرض للهاتف المحمول يزيد من حدوث الاورام الدبقية الخبيثة في الدماغ ((Gliomas ، أي سرطان الدماغ، وأورام شفاني (schwannomas) على مستوى القلب عند الفئران الذكور. رغم أن أورام شفاني ليست أوراما سرطانية، بل هي أورام حميدة لكن بمقدورها أن تؤثر عميقا في التغليف الواقي للأعصاب الطرفية، مما قد يؤدي إلى الألم الشديد والعجز.
نسبة الزيادة كانت صغيرة (%3-4% أكثر من عينات الشواهد ) لكن النتائج تبقى هامة ومؤثرة. وما يجعل هذه الدراسات أكثر أهمية هي العثور على أورام مشابهة عند البشر.
التجارب على البشر: قبل وبعد 2010
على المستوى البشري، كانت هناك العديد من دراسات الحالات والشواهد, للعلاقة بين السرطان والتعرض لــ RF-EMF. دراسات الحالات والشواهد (الدراسات التي تقارن بين نتائج التعرض للهواتف المحمولة عند الأشخاص المصابين بالورم الدبقي (الحالات) مع الأشخاص الذين لا يملكون أوراما مسبقا (الشواهد)) التي أجريت قبل 2010 كانت سلبية, بمعنى لم تسجل أي زيادة في الأورام. ومع ذلك يمكن أن تعود هذه النتائج لعدم توفر الوقت الكافي لتطور الأورام ، أو ربما حجم الأورام كان صغيرا جدا.
على النقيض, ثلاث دراسات حالات-شواهد أجريت منذ عام 2010 كانت كلها إيجابية (وجود زيادة في الاورام الدبقية) في المجموعات الأكثر تعرضا لــ RF-EMF . دراستان من أصل الثلاث بينت أن الأورام تطورت على نفس الجانب الذي تم عليه استخدام المحمول. هذه الدراسات تخضع لإستدعاء التحيز, حيث تم سؤال الناس عن استخدامهم للهاتف المحمول, واتضح أن الحاملين للأورام يمكن أن يكونوا قد بالغوا في الاستخدام.
الدراسة الثالثة كانت عالية المخاطر نسبيا (المقارنة بين مجموعة تم تعريضها لــ RF-EMF مع مجموعة لم يتم تعريضها) من شأنها أن تشير إلى أننا قد نلاحظ زيادة في الاورام الدبقية على المستوى العام. تم فحص هذا في العديد من البلدان, النتائج كانت متباينة، ,وفي الغالب مثيرة للجدل.
دراسات الأتراب ( هي دراسة مراقبة تتضمن مجموعتين إحداهما معرضة لعامل خطورة والأخرى غير معرضة لعامل الخطورة وبعد هذا التقسيم يتم متابعة المجموعتين لفترة زمنية معينة ومن ثم مقارنة النتائج)، والتي تتبعت الناس الذين ليس لديهم أورام، لمعرفة ان كان استخدام الهاتف المحمول يزيد مخاطر الإصابة بالسرطان، كما تم إجراء. النتائج جميعها أتت سلبية بدورها. إحدى هذه الدراسات خاضعة لأخطاء جدية في التصنيف (العديد من الناس الذين تم تصنيفهم على أنهم غير معرضين, يستخدمون الهواتف النقالة في الواقع, ودراسات أخرى كانت ذات أوقات متابعة قصيرة(
بعد تقييم نتائج الأبحاث، الوكالة الدولية للدراسات المتعلقة بالسرطان (IARC) أعطت خلاصة مفادها أن النتائج تظهر أدلة محدودة عن زيادات في الأورام لدى البشر. وهذا يعني وجود علاقة بين التعرض للهاتف المحمول وتطور الأورام، ولكن البيانات غير كافية للحسم بأن الهواتف المحمولة هي السبب.
أيضا عدة دراسات حالات-شواهد فحصت بصفة محددة خطر الاصابة بالأورام العصبية السمعية (أورام شفاني على مستوى العصب السمعي). وكما هو الحال مع دراسات الاورام الدبقية ،الدراسات السالفة الذكر عادت جميعها سلبية، معظم الدراسات منذ عام 2010 أظهرت نسبة ايجابية عند الفئات الأكثر تعرضا للإشعاعات .
لكن لماذا الدراسة التي نشرها البرنامج القومي لدراسة السموم NTP تبقى ذات تأثير قوي ؟
عودة إلى الجرذان:
دراسة NTP هي دراسة حيوية ذات مدى طويل على سلالة معينة من الفئران. كانت هناك غيرها من اختبارات السرطان على ذات مدى طويل، وكانت جميعها سلبية. وهنا الفرق: في كل الدراسات السابقة، مدة التعرض و/أو شدة التعرض كانت أقل بكثير مما تم استخدامه في دراسة NTP. مثلا استخدمت دراسة واحدة تقريبا نفس حجم التعرض المستخدمة من قبل NTP (1.5-4 واط/ كيلوغرام)، ولكن لمدة ساعتين فقط في اليوم الواحد (مدة تعرض الفئران في برنامج NTP 9 ساعات يوميا). تجارب اخرى استخدمت مدة تعرض تستمر 21 ساعة يوميا، ولكن مع شدة من 10 إلى 20 ضعف أقل من NTP. وفي النهاية بعض هذه الدراسات استخدمت سلالات مختلفة من الفئران، ومن المعروف أن السلالات المختلفة لا تستجيب دائما بشكل مماثل عند تعرضها لنفس العوامل البيئية.
لكن حتى دراسة الـ NTP لا تخلو من منتقديها. بالنسبة لكل من الاورام الدبقية وأورام شفاني، لم تكن موجودة عند عينات الشواهد (العينات غير المعرضة). يقول المنتقدون ان هذا يزيد من فرص التوصل الى إيجابية كاذبة (نتيجة معينة يبدو أنها قد وقعت، ولكن لم تقع حقا). ومع ذلك، على كل 50٪ أو أكثر من مجموعات الشواهد في تجارب NTP الاخيرة لم يتم العثور على اية اورام لديها. وبالتالي، فالنتيجة لا تزال ذات أهمية. ولا تزال النتائج إيجابية إذا تم مقارنتها بنتائج الفئران المعرضة في الدراسات السابقة. نقطة اخرى اعتمدها المنتقدون هو عدم وجود نتائج إيجابية عند إناث الفئران بالنسبة لكلا نوعي الأورام مما يوحي بنتيجة إيجابية كاذبة.مع ذلك، وجود زيادة عند الفئران الذكور والإناث لنفس الورم وفي نفس الموقع يحدث في حوالي 65% من الحالات فقط.
من وجهة نظرنا،التعرض لـ RF-EMF سبب أوراما سرطانية عند ذكور الجرذان في دراسة NTP. ومع دراسات الحالات والشواهد الإيجابية على البشر والنتائج الايجابية المماثلة في الدراسات المخبرية الدقيقة على الفئران، دليل على أن الهواتف النقالة قد تزيد من نسبة الإصابة بالأورام السرطانية.
هل نظن أن الهواتف المحمولة تسبب السرطان لدى البشر؟ هذا ممكن . ولكن المسافة عند استخدام الهاتف المحمول والرأس ، وكذلك مدة الإستخدام ، وشدة التعرض كلها عوامل تؤثر حول امكانية ان يطور هاتفك المحمول ورما سرطانيا في دماغك, يمكن اعتبار هذه الفرضية مثل جلسة ليلية ممتعة حول النار ، ولكن الجلوس في وسط لهيب النار لن يكون بالأمر الجيد.
الخطوات التي يمكن إتباعها للإحتياط هي كالتالي:
1) مع الهواتف المحمولة، المسافة مهمة. يقل التعرض للإشعاعات بشكل عكسي مع زيادة المسافة بين الرأس والهاتف المحمول. وهذا يعني أنه إذا ضاعفت المسافة بين رأسك والهاتف، فتعرضك سيكون أربع مرات أقل. أما إذا وضعته على الطاولة حوالي 50 مرة ضعف المسافة المعتادة، فالتعرض سيكون 2500 مرة أقل. وهكذا، أيضا استخدام سماعة الرأس السلكية أو مكبر الصوت مع الهاتف على الطاولة شأنه أن يخفض من التعرض بشكل كبير.
قبل أن تسأل، لا نزال بحاجة إلى إجراء دراسات على سماعات البلوتوث.
3) حمل الهاتف المحمول الخاص بك في محفظتك أو حقيبة ظهرك, بدل وضعه في الجيب أو بشكل قريب لجسمك, هذا أيضا سيحد بشكل كبير من التعرض.
4) الهواتف المحمولة الحديثة لا ينبعث منها دائما نفس المقدار من RF-EMF عند استعمال الهاتف. كلما كان الاستقبال احسن كلما كان التعرض أقل. يستحسن أن لا تستعمل هاتفك في المناطق ذات تغطية سيئة.
5) إيقاف تشغيل الهاتف في حالة عدم استخدامه.
6) إذا كنت تشعر بالقلق الشديد حيال هذه المسألة، وقررت أن لا تستخدم الهاتف المحمول. قد ترغب أيضا في منعه عن أطفالك أو الحد من وقت استخدامهم الهاتف المحمول, إذ سيكون لديهم وقت أطول للتعرض بكثير في سنوات حياتهم القادمة.
في الختام ربما تسبب الهواتف المحمولة السرطان إذا كان التعرض لها قريبا، طويلا بما فيه الكفاية، وأيضا بالشدة الكافية. نحن لا نملك نتائج نهائية حتى الآن عن مستوى الخطر عند البشر.ولا نزال بحاجة الى مزيد من المعلومات في هذا المجال، ليس فقط بالنسبة للهواتف المحمولة، ولكن لأجهزة بلوتوث، واي-فاي، وجميع الأجهزة الأخرى التي تبعث اشعاعات RF-EMF, من باب الاحتياط يرجى الحد من التعرض لها كلما أمكن ذلك.
المصدر : إضغط هنا