قد تكون الفيزياء علمًا صارمًا للغاية، لكن من أشد الجوانب صرامة فيه، هو أن كل ما في الكون يتم التحكم فيه من قبل أربع قوى رئيسية: الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية، القوة النووية القوية والقوة النووية الضعيفة. ولكن يعتقد فريق من العلماء الهنغاريين، أنهم وجدوا أدلة على وجود قوة خامسة غامضة في الطبيعة. وإذا تم التحقق منها؛ فإن ذلك يعني أننا بحاجة إلى إعادة النظر في فهمنا للكيفية التي يعمل بها الكون.
قبل أن نتحدث عن ذلك، دعونا نعود بكم إلى تلك القوى الأربعة. تُشكل القوى الأربعة للطبيعة جزءًا أساسيًا من النموذج القياسي للفيزياء، الذي يشرح كل ما نراه في الكون من مسالك وجزيئات، بداية من المستوى الأكبر حيث تكون الجاذبية هي المسئولة عن ترابط الكواكب فيما بينها، بينما تعمل القوة الكهرومغناطيسية على حفظ ترابط الجزيئات فيما بينها. ويقول « ريان إف ماندلباوم – Ryan F. Mandelbaum » لمجلة « Popular Science » : ” في المستويات الأصغر لدينا نوعان من القوى: القوى النووية القوية والتي هي بمثابة غراء للأنوية الذرية، والقوى النووية الضعيفة التي تساعد بعض الذرات على التفكك الإشعاعي”؛ وهذه القوى هي التي تفسر لنا الفيزياء التي نلاحظها بشكل متكرّر.
تمّ اِكتشاف أدلة على وجود قوة خامسة في العام الماضي، عندما أبلغ فريق من « الأكاديمية الهنغارية للعلوم – Hungarian Academy of Science » أنهم أطلقوا بروتونات على « الليثيوم 7 Li » وفي النهاية، التقطوا صنف جديد من البوزون فائق الضوء أثقل بـ 34 مرة من الإلكترون. ورغم إثارة وقع هذا الخبر، تم إهمال هذه الورقة حتى قام فريق من الولايات المتحدة بنشر تحليلهم الخاص حول هذه البيانات في نهاية الشهر الماضي، وذلك على أرشيف موقع » arXiv » وأظهر الفريق الأمريكي، برئاسة « جوناثان فينغ – Jonathan Feng » من جامعة كاليفورنيا، أن البيانات لا تتعارض مع التجارب السابقة، وأن البوزون الجديد يحمل قوة أساسية خامسة، وهو ما أثار اِهتمام العالم العلمي.
لم يتم طرح نقد للورقة إلى الآن، وإلى حين ذلك لا يجب أن نتحمس جدًا. ومع ذلك فقد تم تحميل الورقة البحثية حتى يستطيع الفيزيائيون فحص النتائج، أو إضافة النتائج الخاصة بهم، وهو ما يحدث حاليُّا. ونقلا عن تقرير لمجلة « نيتشر – Nature »:” يتسابق الباحثون في جميع أنحاء العالم لإجراء اِختبارات المتابعة للتحقق من الاِكتشاف الهنغاري، ونتوقع نتائج في نحو سنة من الآن.”
في الحقيقة، هذه ليست المرة الأولى التي ادعى فيها باحثون كشفهم عن قوة خامسة ( حتى أن هناك صفحة في ويكيبيديا لإمكانيات القوة الخامسة)، ولكن البحث قد اِشتد حقًا على مدى العقد الماضي.
ولكن لعلك تتساءل الآن، عن ماهية العلاقة بين القوة الجديدة والبوزون فائق الضوء؟
يعتقد العديد من العلماء أن هناك جسيمات تسمى « الفوتون المظلم »، الذي يمكن أن يحمل قوة جديدة، والتي من شأنها أن تفسر طبيعة المادة المظلمة – تلك المادة غير المرئية التي تشكل أكثر من 80 % من كتلة الكون- ؛ وهذا ما كان يبحث عنه الفريق الهنغاري، برئاسة الفيزيائي « أتيلا كراسزناهوركاي – Attila Krasznahorkay ».
وللقيام بذلك، أطلقوا البروتونات على أهداف رقيقة من « الليثيوم 7 Li» فأدى التصادم إلى إنتاج نواة « بريليوم 8 Be» غير مستقر، اِنقسمت بعد ذلك إلى أزواج من الإلكترونات والبوزيترونات. يقول « إدوين كارتليدج – Edwin Cartlidge » لمجلة نيتشر: “وفقًا للنموذج القياسي، يفترض أن يلاحظ الفيزيائيون تناقصًا في عدد الأزواج المرصودة، كلما ازدادت الزاوية الفاصلة بين مسار الإلكترون والبوزيترون “، لكن لم يكن هذا ما رآه الفريق، فعند بلوغ اِتساع الزاوية حوالي 140°، ازداد عدد هذه الأزواج، مما أدى إلى حدوث صدمة صغيرة قبل أن يتراجع من جديد عند بلوغ زاوية أعلى، وكانت هذه الصدمة دليلًا على وجود جسيمات جديدة. ووفقًا لحسابات كراسزناهوركاي و فريقه، فإن كتلة هذا الجسيم الجديد، يفترض أن تكون حوالي 17 ميجا إليكتروفولت، وهو ما لم يكن متوقعًا بالنسبة للفوتون المظلم، ولكن يمكن أن يكون دليلًا على شيء آخر تمامًا.
ويؤكد كراسزناهوركاي لمجلة نيتشر أن فريقه واثق جدًا من نتائجه التجريبية، كما قال: “إن فرصة أن تكون هذه الصدمة مجرد شذوذ، هو حوالي واحد من 200 بليون. – لكن دعونا نأخذ في الاعتبار، أنه لم يقم أي فريق آخر بتأكيد هذا إلى الآن -” .
تحليل فريق فينغ في الولايات المتحدة لم يتضمن تكرار التجربة، بل تم استخدام الحسابات للتحقق من أن البوزون فائق الضوء المقترح الذي اكتشفه كراسزناهوركاي و فريقه، يمكن أن يكون قادرًا على اِحتواء قوة أساسية جديدة. ولا يزال مجتمع الفيزياء متشككًا بشأن هذه الإدعاءات ، خاصة وأن أحدًا لم يتوقع رؤية البوزون الفائق الضوء. يقول « جيسي ثالر – Jesse Thaler » من « معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا – MIT » ، والذي لم يكن مشاركًا في أيٍ من التجارب:”من المؤكد أنها ليست أول شيء كنت سأكتب عنه إذا سُمح لي بالزيادة في النموذج القياسي. وعلى الرغم من ذلك إلا أنني أُبدى اِعترافًا بأني مهتم لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك. فربما نحن الآن نشهد أول نظرة لنا في فيزياء ما وراء الكون المرئي”.
وأخيرًا، إن بقي مجتمع البحث الدولي على رأيه، ووفر مزيدًا من البيانات لتحليلها في العام المقبل، قد لن يكون علينا الاِنتظار طويلًا لمعرفة الحقيقة.
المصدر : إضغط هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة : ه،أمير خالد
تعديل : ز.كوثر
التدقيق اللغوي : ب.أمينة
تصميم : د.أحمد