نحن نشرب الماء، نستحم به، وحتى أن معظم جسدنا يتكوّن منه! ولكن، وبالرغم من كونه شائعًا في محيطنا، إلا أنه ما زالت لديه بعض الجوانب الغامضة.
لقد قامت جامعة يوتا (University of Utah) بحل جزء من الأحجية، بتوصّلها إلى أي درجة حرارة يمكن للماء وصولها، قبل أن يتجمد بشكل كامل، وهي 48 درجة سلزيوس تحت الصفر (-55 فهرنهايت).
الماء السائل فائق التبريد، يجب أن يصبح جليدًا عند درجة جرارة -48 درجة سلزيوس. وهذا ليس فقط بسبب البرودة العالية، بل، أيضًا بسبب الهيكل الجسيمي للماء، والذي يتحول فيزيائيًا ليكوّن أشكال جزيئية، رباعية السطوح، في حين أن كل جزئ ماء مُرتبط مع أربعة جزيئات أخرى – بناءًا على دراسة عالمات الكيمياء فاليريا مولينيرو وإيميلي مور.
تنص الأبحاث على أن، تغيّر المبنى من سائل إلى جليد، في حالته المتوسطة (Intermediate ice)، يشرح اللغز من وراء “العامل الذي يحدد درجة الحرارة التي فيها سوف تتجمد المياه” -تقول (مولينيرو) بروفيسورة مساعدة في جامعة يوتا، والكاتبة الأولى للبحث- والذي تم نشره في 24 نوفمبر في مجلة نيتشر Nature magazine.
“الجليد في حالته المتوسطة، لديه مبنى ما بين المبنى المكتمل للجليد ومبنى السائل”. تضيف، “نحن نحل لغزاً قديما لما يحدث للماء السائل فائق التبريد”.
ومع ذلك، في عالم المياه الغريب، هنالك كميات قليلة من الماء، التي تظهر نظريًا حتى في درجات حرارة منخفضة، قد تصل إلى أقل من 48 درجة سلزيوس تحت الصفر (-55 فهرنهايت). وتقريبًا، كلها قد تحولت إلى حالتها الصلبة – سواء إلى ثلج بلوّري/كرستالي أو إلى ثلج غير متبلور “زجاج”، تقول مولينيرو. لكن أي ماء سائل متبقي، يستطيع أن ينجو فقط لمدة قصيرة من الزمن -قصيرة جدًا نسبيًا؛ للتمكن من تحديد وقياس خواص السائل.
للسؤال كيف وفي أي درجة حرارة، يجب على الماء أن يتجمد، هنالك أكثر من استئناف واحد. علماء الغلاف الجوي، والذين يدرسون الاحتباس الحراري، يودون معرفة في أي معدلات ودرجات حرارة، يتجمد الماء ويتبلور حتى يصبح جليدًا.
“نحتاج إلى ذلك؛ من أجل أن نتوقع كمية المياه في الغلاف الجوي، المتواجدة في حالتها السائلة أو المتبلورة، والذي يرتبط مع كمية الإشعاع الشمسي الممتص من قبل الماء، والثلج المتواجد هناك”، تقول مولينيرو. “هذا مهم من أجل التنبؤات حول المناخ العالمي”.
مركب غريب
المياه السائلة: هي عبارة عن شبكة من جزيئات الماء، (كل جزئ فيه ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين) مُترابطة برباط هيدروجيني، والذي بشكل أو بآخر، يُعتبر رباط ثابت. تقول مولينيرو: “أنه بالاعتماد على درجة حرارته وضغطه، للماء المجمد هنالك، 16 حالة تبلور، والتي فيها ترتبط جزيئات الماء مع بعضها بروابط هيدروجينية”.
تقول أيضًا: “أن الذي يجعل الماء غريبًا لهذه الدرجة، هو أن طريقة تصرف الماء السائل، تختلف بشكل كلّي عن السوائل الأخرى. على سبيل المثال، يطفو الجليد فوق الماء، في حين أن معظم المواد الصلبة تغرق في سوائلها، لأنها أكثر كثافة من السائل”.
تختلف كثافة المياه مع اختلاف درجة الحرارة، وتكون في حالتها الأكثر كثافة في درجة 4 سلزيوس (39 فهرنهايت). لهذا تستطيع الأسماك النجاة تحت الجليد، الذي يغطي سطح مستنقع مياه، وهذا لأنها تسبح في الماء ذو درجة الحرارة والكثافة الأعلى من تحت المستنقع.
“ولكن خاصية الماء الأكثر إذهالًا، في أنه تستطيع بأن تبرده إلى درجات حرارة من تحت الصفر سلزيوس، ويبقى سائلًا” تقول مولينيرو.
لقد تم إيجاد ماء سائل في درجة حرارة -40 درجة سلزيوس في السحب. وقد قام العلماء في تجارب عديدة، والتي تظهر بأن الماء يستطيع أن يكون في حالته السائلة، حتى درجة حرارة -41 درجة سلزيوس تقريبًا.
والآن يأتي السؤال، لماذا لا يتجمد الماء في درجة حرارة صفر سلزيوس كما تعلمنا في المدرسة؟
“إذا كان لديك ماء سائل، وأردت أن تكوّن جليد، عليك في البداية أن تشكّل نواة، أو “بذور جليدية” من السائل نفسه. وعلى السائل أن يفسح المجال للجليد، بأن يتكوّن” تقول مولينيرو. “بالنسبة للمطر، يجب عليك أن تعمل الماء السائل من البخار. هنا، يمكنك أن تصنع ثلج من السائل”. وتضيف: “ومع ذلك، في الماء النقي، يمكنك أن تشكّل النواة عن طريق تغيير مبنى السائل بشكل عفوي”.
وتتسائل العالمة أيضًا: “تحت أي شروط تتكون النواة، وتكون كبيرة بما يكفي لتنمو؟ وما الحجم الحرج للنواة؟”.
حساب ما لا يمكن حسابه
تقول مولينيرو: “أنه عندما تبرد الماء، يصبح مبناه قريبًا إلى مبنى الجليد، وهذا هو السبب من وراء انخفاض الكثافة، وهذا يجب أن نراه في مستوى تبلور عالي”.
تم قياس درجة حرارة الماء فائق التبريد إلى ما يقارب -41 درجة سلزيوس. والتي تُعتبر (درجة حرارة التنوي المتجانسة) وهي أقل درجة حرارة والتي فيها نسبة التبلور تستطيع قياسها مع عملية تجمد المياه. تحت درجة الحرارة هذه، يتبلور الجليد بسرعة لأي خاصة تعود للسائل المتبقي لقياسها.
لكي تلتف حول المشكلة، استعملت (مولينيرو) -بالإضافة إلى طالب دكتوراه في الكيمياء في جامعة يوتاه- كومبيوتر ذو أداء فائق؛ للقيام بالحسابات. لقد تم بواسطة ذلك، تمثيل تصرف الماء فائق التبريد بالاستعانة ببيانات حقيقية.
تُزودنا الحواسيب بتمثيل على قرب مجهري، والذي لم تتمكن التجارب من تمثيله بعد.
التمثيلات السابقة -بواسطة حواسيب أخرى- كانت بطيئة جدًا، وكانت تحتاج إلى وقت أطول لكي تقوم بتنفيذ الحسابات. وكان من الضروري أن تقوم بحساب الآلاف من عمليات التنوي؛ من أجل الوصول إلى استنتاج مقبول ومُقْنِع.
ابتكرتا (مولينيرو) و(مور) كومبيوتر من طراز جديد، والذي يعمل بسرعة أكبر ب200 من سابقيه. لقد قلّص هذا الطراز العدد في الحسابات؛ بحيث أنه اعتبر كل ثلاث ذرات ماء، كأنها جزئ واحد يُشبه ذرة السيليكون، وبإمكانهم بأن يتحدوا برباط هيدروجيني.
ولادة الجليد
ساعدت الحواسيب كل من (مولينيرو) و(مور)، على تحديد إلى أي درجة حرارة تصل الماء، قبل أن تصل نظريًا إلى حالة التبلور القصوى، والتي فيها يجب عليها أن تتجمد. الجواب هو: 48- درجة سلزيوس.
لقد أظهرت الحواسيب أيضًا، أنه عند وصول الماء إلى درجة حرارة، سالب 48 درجة سلزيوس، هنالك ارتفاع حاد في نسبة جزيئات الماء المرتبطة مع أربع جزيئات أخرى، لكي تكوّن بنية جزيئية رباعية السطوح.
“يتحول الماء إلى شيء آخر، وهذا الشيء قريب جدًا للجليد” تقول مولينيرو. وتسميه بالجليد المتوسط.
إذا تم تبريد قطرة ماء مجهرية بسرعة فائقة، يتكوّن ما يُسمى بالزجاج -جليد غير متبلور ذو كثافة منخفضة- في حين أن الهيكل رباعي السطوح لجزيئات الماء، لا تصطف لكي تكون جسيمات كريستالية مثالية. عوضًا عن هذا، الجليد ذو الكثافة المُنخفضة هو غير متبلور مثل زجاج الشباك. وجدت الدراسة أن ربع جزيئات “الماء الزجاجي” غير المتبلور، منظمة إما كالجليد بحالته المتوسطة أو مثل بلورات ثلجية صغيرة.
عندما تصل درجة حرارة المياه إلى 48- درجة سلزيوس، يكون هنالك ارتفاع غير عادي في كثافتها، وأيضًا، في السعة الحرارية (والتي تصعد إلى أعلى عوضًا عن النزول إلى أسفل) والانضغاطية (تُصبح المياه أسهل للضغط كلما زادت برودًا، عكس السوائل الأخرى). هذه الديناميكا الحرارية غير الاعتيادية، تحصل للماء السائل المتحول إلى هيكل رباعي السطوح.
“التغير في مبنى الماء، يُسيطر على المعدل الذي فيه يتكون الجليد” تقول مولينيرو. “نبيّن أن الديناميكا الحرارية للماء، ومعدل التبلور يتم السيطرة عليهما من قِبل التغيّر في هيكل الماء السائل، والذي يصل إلى هيكل الجليد”.
أمثلة على “التجميد الفوري” بالاعتماد على هذه الخاصية للماء
وهنا يأتي السؤال: كيف يمكنك أن تجمّد السائل في أقل من 5 ثواني؟
لهذا الغرض، تحتاج إلى ماء مُقطر؛ وهذا لأن الماء المُقطر خالي من الأملاح والشوائب، ثم تقوم بوضعه في الثلاجة بدرجة حرارة -24 درجة سلزيوس، لمدة 3 ساعات تقريبًا. عند انتهاء تلك المدة، لن يكون الماء المُقطر في حالته الصلبة، وهنا تكمن الفكرة، فيما لو سكبت الماء، على مكعبات ثلجية، سوف يبدأ بتكوين الهياكل الكريستالية، وبالتالي يتجمد بهذه السرعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي: Mohammed Diab