سيسيليا باين (Cecilia Payne)، المرأة التي غيّرت من نظرتنا للنّجوم، تُعتبر إنجازات سيسيليا اليوم على نفس القدر من الأهمية مقارنة بأعمال علماء عظام كنيوتن وأينشتاين…فمن هي هذه المرأة يا تُرى؟
وُلدت سيسيليا باين في العاشر من ماي عام 1900 في ويندوفر، إنجلترا. بدأت مسارها العلمي بمنحة دراسيّة لدراسة الفيزياء بجامعة كامبريدج سنة 1919. لتحصل بعدها عام 1923 على زمالة لدراسة علوم الفلك بجامعة هارفارد بالولايات المتّحدة الأمريكية. وصف عالم الفلك الروسي-الأمريكي أوتو ستروف (Otto Struve) أُطروحتها للدكتوراه “الأغلفة الجوية للنجوم” (Stellar Atmospheres) بأنّها أبرع رسالة دكتوراه في علم الفلك على الإطلاق. في جانفي 2015، كتب العضو بالجمعية الفيزيائية الأمريكية ريتشارد ويليامز (ٍRichard Williams): “بحسابها مقدار وفرة العناصر الكيميائية في الأطياف النجمية، يُعتبر عملها بمثابة ثورة في العلوم الفيزياء الفلكية “.
حصلت سيسيليا سنة 1925 على درجة الدّكتوراه من كلية رادكليف، أو ما كان يسمى بكلية هارفارد للنساء، لأن هذه الأخيرة لم تكن تمنح هذه الدّرجة للنساء في ذلك الوقت. في بدايات 1930، تَعرّفت على الفلكي الرُّوسي سيرجي غابوشكين (Sergey Gaposchkin) الذي لم يتمكن من العودة إلى الإتحاد السوفياتي بسبب أفكاره السّياسية، استطاعت باين مساعدته في الحصول على وظيفة بهارفارد وتزوّجا بعدها سنة 1934.
أخيرا سنة 1956، استطاعت باين أن تكون أول امرأة تحصل على درجة الأستاذية في هارفارد، وكذلك أوّل امرأة ترقى لمنصب رئيس قسم بذات الجامعة. في مقاله المنشور سنة 2016 في مجلة ننيويورك مجازين (New York magazine)، يروي دافا صوبل (Dava Sobel) أنه حين وصلت باين إلى هارفارد، وجدت أن الكلّية تحتوي على مجموعة فريدة من مئات الألاف من الصور الزجاجية التى التقطت في ليالي صافية على مدار 40 سنة، من خلال تلسكوبات نصف الكرة الجنوبي والشمالي. بعض هذه الصور تُظهر النّجوم كنقاط ضوئية، بينما البعض الأخر يظهرها على شكل أحزمة أو أطياف مميزة بخطوط طبيعية، هذه الأخيرة هي التي تكشف عن العناصر المكونة.
بعد معاناة طويلة من فحص هذه اللوحات الزجاجية، توصلت باين إلى نتيجتها الرّائدة والمثيرة للجدل في آن معاً: أنه وبخلاف الأرض، فإن الهيدروجين والهيليوم هي العناصر السائدة في تركيب النجوم. في ذلك الوقت، مُعظم العلماء كانوا يعتقدون أنه بما أن النجوم تحتوي على عناصر مألوفة كالسيليكون، الألومنيوم و الحديد على غرار الأرض، فإنها ستكون موجودة بنفس النسب مع كميات ضئيلة فقط من الهيدروجين.
على الرغم من أن وجود الهيدروجين في النجوم كان معروفا منذ ستينيات القرن التاسع عشر، بعدما أصبح التحليل الكيميائي عن بعد ممكنا. لم يتوقّع أحد تلك الوفرة الهائلة منه كما أوضحت باين في بحثها. في مقاله للجمعية الفيزيائية الأمريكية سنة 2015، كتب ريتشارد ويليامز:”العمالقة، كوبيرنيكوس، نيوتن وأينشتاين، كل منهم غير من نظرتنا للكون، إكتشاف باين عن وفرة العناصر الكونية لا يقل أهمية.”
بعد نشر أطروحتها، أهم قامة علمية في تكوين النجوم آنذاك ، هنري نوريس راسل (Henry Norris Russell) من جامعة برينستون، أقنع باين بأن نتيجتها يجب أن تكون خاطئة، مشجعا إياها على التصريح بأن “نسبها عن الهيليوم و الهيدروجين كانت عالية بشكل غير معقول” وأنها إذن “على الأرجح غير صحيحة”.
لكن، شاءت الأقدار أن يٌثبت براءة باين من مزاعم راسل، راسل نفسه. حيث قضى الأربع سنوات التالية في دراسة نتائج باين، لينشر في جويلية 1929 في مجلة الفيزياء الفلكية (Astrophysical Journal) موافقته لنسبها مقتبسا دراستها المنشورة سنة 1925. و اختتم مقاله باستنتاج أن الوفرة الهائلة في كمية الهيدروجين “يصعب جدا أن تكون محل شك”.
أغمضت سيسيليا باين-غابوشكين عينيها للمرة الأخيرة في السابع من ديسمبر عام 1979، بعد أن علّمتنا كيف ننظر إلى النجوم بشكل صحيح.
تدقيق لغوي: جيلالي زروخي
المصدر: هنا