إنّ الإحتفال الحالي بالكريسماس له جذور تاريخية ممتدة، حيث اتسمت الفترة المبكرة للمسيحية بتحديدها لتاريخ ميلاد اليسوع وجعلته يومًا للإحتفال القدسي بهذا الحدث، لكن في القرنين الأولين للمسيحية كانت هناك معارضة شديدة للاعتراف بأعياد ميلاد الشهداء، خاصة ميلاد اليسوع، وقد قام العديد من آباء الكنيسة بالسخرية والتهكم من هذا المحفل الوثني -حسب رأيهم- لأعياد الميلاد، اذ اعتبرت الكنيسة أنّ أيام استشهاد الشهداء والقدسين هي “أيَّام الميلاد الحقيقية”، وهي فقط التي يجب أن تكون أيام مقدسة.
الأصل الدقيق لتحديد تاريخ 25 ديسمبر يوما لميلاد يسوع لا يزال غير واضح، وحتى العهد الجديد لم يحدِّد ذلك، وقد تمَّ تحديد هذا التارخ لأول مرة على أنه تاريخ ولادة يسوع بواسطة المؤرخ المسيحي « يوليوس أفريكانوس» في عام 205م، وبعد ذلك حظي هذا التاريخ بقبول عالمي، وقد فَسر أصل هذا التارخ بعدة تفسيرات، وأحد التفسيرات الواسعة الانتشار هو أن 25 ديسمبر كان لإضفاء صبغة مسيحية على يوم وفاة الأسطورة الوثنية “إله الشمس” – Sol Invictus- ، اذ كان هذا يوم عطلة شعبية في الإمبراطورية الرومانية يُحتفل فيه بالانقلاب الشتوي كرمز لانبعاث الشمس، وبشارة الربيع والصيف بعد طول قسوة الشتاء، حيث كان كثيرا ما يربط الكتاب المسحيين بين انبعاث الشمس وولادة الابن، لكن الصعوبات التي تواجه هذه الفرضية هي كيفية قبول الكنيسة المبكرة وعدم اكثراتها أن تتناسب احتفالات وثنية مع العقيدة المسيحية، خاصة أنها كانت حريصة أن تميز نفسها بشكل قاطع عن المعتقدات والممارسات الوثنية.
أمّا التفسير الثاني يقول أنَّ 25 ديسمبر أصبح تاريخا موافقا لميلاد اليسوع انطلاقا من فكرة قديمة تقول أنّ يوم الإعتدال الربيعي هو تاريخ خلق العالم، واليوم الرابع للخلق (يوم خلق الضوء)، وهو نفسه يوم تبشير رئيس الملائكة «غابريال» مريم “بالحمل العذري” للمسيح الذي كان يوم 25 مارس، وبعدها أصبح تاريخ 25 ديسمبر أي بعد 9 أشهر من الحمل تاريخ ميلاد المسيح واحتُفل بيوم 6 جانفي كعيد لتعميد المسيح.
بدأ الاحتفال بالكريسماس وبطقوسه الخاصة ابتداءا من القرن التاسع، ومع ذلك لم يحظَ وقتها بالأهمية القدسية مثلما حظي بها يوم الجمعة العظيمة أو عيد الفصح، والكنائس الكاثوليكية الرومانية هي أول من احتفل بالكريسماس في منتصف الليل، وقامت الكنائس البروتستانتية باحتضان نشاطات وخدمات على ضوء الشموع في قت متأخر من يوم 24 ديسمبر، وكان هناك نشاط خاص من “دروس وتراتيل”، أين تُجمع تراتيل عيد الميلاد مع قراءات الكتاب المقدس التي تروي تاريخ الخلاص، من السقوط في جنة عدن إلى مجيء المسيح، وأول من قام بهذا هو الأسقف «إدوارد بانسون».
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي