عندما تمشي في شارع مزدحم ستسمع أصوات قطارات الأنفاق وحركة المرور والموسيقى القادمة من واجهات المحلات و…الخ. فجأة، تدرك أن أحد الأصوات التي تسمعها هي شخص يتحدث، وأنك تستمع بطريقة مختلفة تولي الاهتمام لما يقوله، والسؤال المطروح هنا هو كيف يفعل الدماغ هذا؟ وما مدى سرعة حدوثه؟
من قبل توصل العلماء أنه عندما نسمع لغة مفهومة، فإن أدمغتنا تتفاعل بشكل مختلف عما تفعل عندما نسمع صوتا غير الكلام أو لغات لا نعرفها، فعندما نسمع أحدهم يتحدث بلغة مألوفة، يقوم الدماغ بمعالجة أصوات الكلام بتحويلها إلى كلمات، وفهم ما يقال بسرعة.
في بحث جديد نُشر في جريدة « Cell Press / Elsevier Journal Current Biology» بعنوان “التحول السريع من التمثيل السمعي إلى التصورات اللغوية للكلام” ، تحت إشراف الدكتور «كريستيان رودبولك- Christian Brodbeck» والبروفيسور «جوناثان سيمون- Jonathan Z. Simon »، استطاع الباحثون أن يحددوا أين في الدماغ، ومدى سرعة – بالملي ثانية – انتقال العصبونات من معالجة صوت الكلام لمعالجة كلمات اللغة الموافقة له.
في الجزء الأول من الدراسة قام الباحثون بتخطيط وتحليل نشاط الدماغ العصبي لدى المشاركين أثناء الاستماع لقصة، واستخدموا التصوير المغناطيسي (MEG)، وهي طريقة تصوير عصبي تستخدم مقاييس مغناطيسية حساسة للغاية لتسجيل الحقول المغناطيسية التي تحدث بشكل طبيعي والتي تنتجها التيارات الكهربائية داخل الدماغ، وهو جهاز يشبه مجفّف شعر الرأس يغطي الرأس بالكامل يحتوي على مجموعة من المستشعرات المغناطيسية.
وأظهرت الدراسة أن الدماغ يتعرف بسرعة على الكلام على غرار الأصوات الأخرى ويقوم بمعالجة المعلومات الصوتية إلى معلومات لغوية بطريقة متخصصة وأوتوماتيكية، ووجدوا أن الدماغ يواكب الناس الذين يتحدثون بمعدل ثلاث كلمات في الثانية، عن طريق تمييز صوت الكلام عن الأنواع الأخرى من الأصوات في حوالي عشر الثانية بعد دخول الصوت إلى الأذنين، ويقول «جوناثان سيمون»:”كنا نعتقد أن ما يعالجه الدماغ في الأول هي الأصوات دون الأخذ بعين الاعتبار اللغة، لكن وجدنا انه يعالج الأصوات بسرعة وأكثر دقة عندما تكون اللغة مألوفة”.
في الجزء الثاني من الدراسة، استمع المشاركون لقصة لكن بلغتين مختلفتين في نفس الوقت، وطلب منهم الاستماع إلى أحدهم وتجاهل الآخر، فكانت أدمغة المشاركين تعالج لغة المحادثة التي انتبهوا إليها وتجاهلوا الأخرى،يقول «برودبيك»: “قد يكشف هذا عن- اختناق في إدراك عقولنا- نعتقد أن الدماغ يحدد التوافق بين إشارة الكلام الواردة والعديد من الكلمات المختلفة المخزنة فيه ، وتتضمن هذه الآلية موارد عقلية لها قيود على عدد الخيارات المختلفة التي يمكن تجربتها في وقت واحد، فيستحيل معالجة كلام أكثر من متحدث واحد في نفس الوقت أي الدماغ يعالج الكلام والأصوات بشكل انتقائي”.
تعتبر هذه الدراسة حجر الأساس لمزيد من الأبحاث حول كيفية تفسير أدمغتنا للأصوات على أنها كلمات، على سبيل المثال، كيف يقرر الدماغ أي كلمة سمعها؟ هناك دليل على أن الدماغ يعالج الاحتمالات الكثيرة، ولكن من غير المعروف حاليا كيف يختار الدماغ بنجاح من الخيارات كلمة واحدة ويربطها بمعنى الخطاب.
المصدر:هنا
تدقيق لغوي: بولحية يحيى