في شهر مارس 1996 أعلنت الحكومة البريطانية عن موت 10 شبان بريطانيين إثر إصابتهم بمرضٍ جديد يصيب الدماغ وذلك بعد انتقال المرض إليهم إثر تناولهم لحوم بقرٍ مصابة بالتهاب الدماغ الإسفنجي (Encéphalopathie Spongiforme Bovine ESB) والذي يُعرف بمرض جنون البقر، إذْ أن هذا المرض يُدمر خلايا الدماغ ويعتبر مُميتاً ولا يُعرف له أيُ دواءٍ.
كما تُظهر دِراسة حديثة التقارب الباثولوجي والجزيئي بين مرض جنون البقر ونظيره عند الإنسان وهو النسخة الجديدة لمرض كروتزفلد-جاكوب (le nouveau variant de la maladie de Creutzfeld-Jacob / nvMCJ) مما أدى بالعلماء لافتراض أنهما نفس المرض.
ضيقَ العالم كثيرًا على أوروبا بسبب مرض جُنون البقر، فقد حَظرت الكثير من الدول استيراد البقر البريطاني، مما أدى باللجنة الأوروبية إلى أمر بريطانيا بذبح وحرق ما يُقارب 4.7 مليون رأس بقري، هذا الذي نتج عنه إفلاس وخسارة لأكثر من 12 مليار دولار.
إلا أن هذا لم يمنع المرض من الانتقال لبلدانٍ أخرى، فقد سُجلت حالاتٌ في مُعظم الدول الأوروبية، الشرق الأوسط وحتى في اليابان وكندا كما تم تسجيل حالات الإصابة بمرض nvMCJ في بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، أمريكا الجنوبية، كندا والولايات المتحدة. ومات في المُجمل أكثر من 125 شخصاً من هذا المرض، كما أن علماء الأوبئة يتكهنون بظهور حالات أخرى في العقدين القادمين.
التهاب الدماغ الإسفنجي البقري ESB، النسخة الجديدة من مرض كروتزفلد-جاكوب nvMCJ ومرض كروتزفلد-جاكوب MCJ كلها أمراض تدمر الخلايا العصبية كما أنها تنتمي لأمراض اعتلالات الدماغ الإسفنجية المعدية التي تؤثر على الدماغ والجهاز العصبي وتصيب الإنسان والحيوان على حدٍ سواء ، بحيث يُلاحظ في النسيج المخي للمُصاب العديد من الثقوب الصغيرة حتى تصبح القشرة المُخية مشابهة للإسفنجة ومن هنا أتت تسمية (الإسفنجي) أما عن أعراض الـ EST لدى الحيوانات فهي تبدأ بـ نقص في التناسق العصبي الحركي، بعدها يلاحظ عُته لدى هاته الحيواناتـ إلى أن تنفُقَ في الأخير. أما لدى الإنسان فيمكن تمييز نوعين من أمراض الـ EST وهي أولا الـ nvMCJ وهو عادة يصيب الشباب من 16سن إلى 40 سنة، حيث تبدأ أعراض هذا المرض باكتئاب وعصبية شديدين يَليهما إصابة المريض بعجزٍ وشلل.
ثانيا الـ MCJ والذي تعتبر نسبة حدوثه جدُ متدنيةٍ (حالة لكل مليون شخص) ويُصيب عادةً المسنين بداً من 55 سنة، وطريقة الانتقال الأساسية لهذا المرض هي من الحيوان للإنسان، لكن قد ينتقل أيضا في حالة زرع قرنية شخصٍ مصاب بالمرض أو عند حقن هرمون النمو البشري المُستخلص من الغدة النخامية لشخصٍ مصاب.
كما يوجد مرض جدُ قريب من MCJ وهو مرض كورو Le Kuru والذي يُعتقد أنه ينتقل عن طريق أكل لحوم البشر وحيث لوحظ لأول مرة في قبيلة فور في غينيا الجديدة (les Fores) التي يُمارس افرادها شعائر تقضي بأكل لحوم البشر والدماغ بشكل خاص.
أما لدى الحيوانات نميز أعراض مختلفة لأمراض الـ EST فنجد ارتجافاً لدى الخرفان والمعز ولدى الغزلان والموظ الأمريكي كما نلاحظ عيها اعراضاً مشابهة لمرض الضعف المزمن (la maladie du dépérissement chronique).
وبالنسبة لجُنون البقر ESB فطريقة انتقاله مشابهة لطريقة انتقال مرض كورو لأن الوباء في بداية الأمر انتشر بسبب علفٍ كان يُقدم للأبقار كمُكمل غذائي للأحماض الأمينية الناقصة لدى البقر إلا أنه احتوى على طحين من لحوم أغنامٍ وأبقارٍ مصابة بـ EST.
تم منع هذا العلف بعد انتشار الوباء من طرف الحكومة البريطانية وكل الدول الأوروبية سنة 1998.
توجد دراسات حديثة تفترض انتقال مرض ESB عن طريق الدم وشحوم الحيوانات. بيدَ أن العلماء عانوا لسنوات طويلة في دراسة أسباب هذا المرض وكانت نتائجهم في كثير من الأحيان مخيبة. وذلك لعدة صعوبات، فدراسة هذا النوع من الأمراض تحتاج حتما لحقن عينات من دماغ حيوان مصاب في أدمغة حيوانات المخبر، لكن المرض لا يتطور إلا خلال عدة أشهر أو ربما سنوات، كما أنه لا يمكن التأكد من تشخيصه إلا عند القيام بتشريح الدماغ بعد الوفاة بالإضافة أن الجسم لا يبدي مقاومة للمرض فهو لا ينتج أجسام مضادة إذاً حتما العامل المُمرض لا يمكن أن يكون فيروسا أو بكتيريا، وعند معالجة الأدمغة المصابة بإشعاعات وإنزيمات النوكلياز (les nucléases) (إنزيمات تخرب الأحماض النووية) لا تتوقف عدوى المرض إنما تتوقف العدوى عند معالجة هاته الأدمغة بعناصر مخربة ومغيرة لبنيات البروتينات ، مما يطرح فرضية تقضي أن العامل المُمرض من خاصية بروتينية .
سنة 1980 قام عالم وباحث أمريكي ستانلي بروسينر (Stanley Prusiner) بعزل هذا البروتين وأطلق عليه اسم بريون ((Prion مشتقاً المصطلح من كلمتي (/ proteinaceousبروتيني) و(infections /مُعدٍ).
في البداية لم تُلاق هاته البحوث أية اهتمام كون فكرة أن العامل المعدي قد يكون من طبيعة بروتينية أي لا يحتوي على أية مادة وراثية (ADN/ARN) جدُ غريبة وغير مألوفة ولكن ستانلي قدم الكثير من الأدلة على صحة فرضيته التي جعله يتحصل على جائزة نوبل للطب والفيزيولوجيا عام 1997.
سبب أمراض الـ EST
بروتين البريون (PrP) هو نُسخة غير طبيعية لبروتين موجود في الخلايا العصبية للحيوانات البالغة حيث يكمن الفرق بينهما في البنية الثانوية للبروتين، بحيث أن النسخة الطبيعية غير المعدية تملك حلزون ألفا α في حين النسخة غير الطبيعية المُعدية تملك وريقة بيتا β وعند حدوث التماس بين البروتين المُعدي والطبيعي تتغير البنية الثانوية للطبيعي لتصبح مشابهة للمُعدي والذي بدوره يؤثر على بروتينات أخرى مما يؤدي لتطور المرض بشكل أسرع.
كما أن البريون غير الطبيعي له خواص جدُ غريبة ومغايرة لخواص كل البروتينات، فهو غير قابل لذوبان لا في الماء ولا في المواد الدُهنية كما أنه مقاوم للحرارة وغير قابل للتخريب من طرف الكثير من أنزيمات البروتياز ((les protéases، على عكس النسخة العادية المتواجدة بشكل طبيعي في الخلايا العصبية. ومن هنا نصل إلى خلاصة بأن أمراض الـ EST راجعة للبنية الثانوية للبروتين.
المصادر : كتاب Génétique دار نشر PEARSON
المراجع :
Balter M ; ‘tracking the human fallout from ‘mad cow disease’ ; Sciance, 289: 1452-54 , 2000.
Belay E.D ‘transmissible spongiform encephalopathies in huma’ , Annu, Rev. Microbiol .. 53:283-314 ,1999
Spencer C.A , Mad Cows and Cannibals: a Guide to the Transmissible Spongiform Encephalopathies , Upper
Saddle River Pearson/Prentice-Hall, 2004
ــــــــــــــــــــــ
تدقيق: ح.مونيا