مع تغيّر نمط عيش الإنسان الذي اتسم بنقص الحركة والأكل السريع الغني بالسعرات الحرارية، أصبحت السمنة ومضاعفاتها الجسمية والنفسية خطرًا زاحفًا يتعاظم سنةً بعد أخرى.
ففي عام 2016، وحسب إحصائيات المنظمة العالمية للصحة، أكثر من مليار وتسعمئة بالغ في العالم يعانون من زيادةٍ في الوزن، 650 مليون يعانون من السمنة بتعريفها العلميِّ، أما الأطفال والمراهقون الذين يعانون من السمنة فقد تجاوز عددهم الـ380 مليون، وهو ما جعل كل المنظمات والجمعيات المختصة تدق ناقوس الخطر وتحاول دراسة هذا المشكل الخطير ووضع برامج لمكافحته، وقد صنفته ابتداءً من 1997 مرضًا مزمنًا من طرف المنظمة العالمية للصحة.
وإن كانت السمنة هي زيادة الكتلة الشحمية في الجسم، ففي الممارسة الكلينيكية تُعرّف اعتمادًا على مؤشر كتلة الجسم (BMI: Body Mass Index) الذي يمثل ناتج قسمة الوزن (بالكيلوغرام) على مربع الطول (بالمتر)، حيث يتراوح عند الشخص العادي بين 18 و 24.9، ويعتبر الفرد أنه يعاني من السمنة إذا كان مؤشر كتلة جسمه أكبر أو تساوي 30، وما بين 25 و29.9 فهو يعاني من زيادة في الوزن.
فيزيولوجيًا، تعتبر السمنة خللًا متعدد العوامل، هناك عوامل وراثية، نفسية، هرمونية وبيولوجية متداخلة الوظائف، تظهر تأثيراتها تبعًا للعوامل البيئية والسلوكية التي يجب على الشخص التحكم فيها، فمثلًا هرمون اللابتين (Leptin) أو هرمون الشبع، الذي يؤدي إلى إيقاف إفراز الهرمونات التي تعمل على زيادة الشعور بالجوع وتخفيض استعمال الطاقة، هذا الهرمون قد يتعرض لعوامل وراثية يؤدي إلى خلل في وظيفته، كما أنه ينشط مع الرياضة ونقص المدخول الطاقوي من الغذاء.
إن هذا التعقيد والتداخل في العوامل المسببة للسمنة جعل إنقاص الكتلة الشحمية في الجسم يحتاج إلى اللعب على عدة أوتار، كما يحتاج وقتًا وجهدًا معتبرين.
وككلِّ العلاجات الصعبة، يجد الدجالون فيها أرضيةً لنشر فكرة “الوصفة السحرية” والتي تناقض الواقع المعّقد لهذا المرض، كما أن فكرة إزالة الشحم من منطقة محدد فقط يناقض طريقة عمل الجسم وهو خرافة إشهارية لا أكثر، فالحقيقة أنه لا يوجد برنامج معلب يصلح لجميع المصابين بالسمنة، فعلى حسب حجم الكتلة الشحمية، العمر، الأمراض المصاحبة والمستوى المعيشي، فالطبيب هو من يحدد البرنامج المناسب لكل شخص.
باعتبار الإنسان البالغ لا يعاني من أي أمراض جسمية أو نفسية أخرى، فإن التحكم في الحصيلة الطاقوية من خلال إحداث توازن بين المدخلات (الغذاء) والمخرجات (الحركة، الأيض)، فيمكن تلخيص الوسائل العلاجية في النقاط التالية:
– تبني عادات غذائية صحيّة: والمشهورة باسم “الحمية الغذائية”، حيث وإن اختلفت وتنوعت فقد ثبت أن الحمية قليلة النشويات (السكريات) تعطي نتائج أحسن وأسرع من الحمية قليلة الدهون الكلاسيكية، فإن الدراسات على المدى البعيد تؤكد غياب فروق معتبرة بين مختلف أنواع الحميات المعتمدة علميًا.
مبدأ كل الحميات هو إنقاص كمية الطاقة الداخلة للجسم، والتي تعتبر الحريرة (السعرة الحرارية) أو الكيلوجول وحدات لها، حيث يمكن أن تحسب بطريقة تقديرية ما تستهلكه التفاعلات الأيضية في جسمك من طاقة في حالة الراحة (كطريقة هاريس وبينيديكت Harris & Bénédict) والذي لا يجب أن يتجاوزه حجم الطاقة التي في غذائك.
– الرياضة: فالمُوصى به كحد أدنى بالنسبة لعامة الناس هو 30 دقيقة في اليوم حركة متوسطة (كالمشي بخطى سريعة)، ولكن زيادة حدة الرياضة تؤدي إلى نتائج أحسن، وتوصي المنظمة العالمية للصحة بـ 150 دقيقة في الأسبوع رياضة على شرط إعطاء أوقات للراحة وتجنب الرياضة الحادة يوميًا.
هذان هما العمودان اللذان يقوم عليهما أي محاولة حقيقية لإنقاص الكتلة الحجمية، كما توجد وسائل أخرى تختص في الغالب بفئات معينة:
– العلاج النفسي: فزيادة على الدعم النفسي الذي يجب أن يقدّمه الطبيب، فهناك حالات تحتاج لمختص نفسي كبعض اضطرابات الأكل، الإكتئاب وغيرها.
– الأدوية: كثير من الأدوية التي أثبتت نجاعتها في تخفيض الوزن ثبت أن لها الكثير من الأعراض الجانبية غير المرغوب فيها والخطيرة أحيانًا، و من أهم الأدوية المعتبرة:
- أورليستا Orlistat: وهو الأشهر من بين أدوية التخسيس، حاصل على رخصة التسويق الخاصة بالأدوية AMM، ولكن نتائج بعض الدراسات عن تأثيره على المدى الطويل غير مشجعة، مع ملاحظة عودة زيادة الوزن بعد التوقف عن تناوله.
- ليراغلوتيد Liraglutide: الذي سُوق في بلجيكا ابتداءً من 2010، الذي وإن ثبُت دوره في التخسيس فهناك غياب للمعلومات المتعلقة بفاعليته وتأثيراته الجانبية على المدى الطويل.
- أدوية أخرى: لوركازيرين Lorcasérine، سيبوترامين Sibutramine، وجمع القونتارمين Phentermine + توبيرامات Topiramate…إلخ. لكن الفاعلية المثبتة لا تخلو من أعراض جانبية غير مرغوب فيها والتي تعتبر أهم سلبيات التدخل الدوائي مع عودة زيادة الوزن بعد التوقف عن تناول الأدوية.
– جراحة السمنة: تستعمل بعد فشل كل الطرق الأخرى، أو أحيانًا تستعمل مرافقة للأدوية والطرق الأخرى عند المصابين بسمنة مفرطة جدًا، وحسب الدراسات فقد أعطت نتائجًا جيدةً في علاج السمنة والتخفيف من مضاعفاتها.
تعتبر السمنة مشكلَ مجتمعٍ وليس مشكلَ فردٍ فقط، فالصراع ضد نمط الحياة الحديث أصبح ضرورة في ظل تعاظم خطر السمنة ومضاعفاتها الخطيرة والقاتلة، وتبقى دائما الوقاية وعلاج المراحل الأولى أنجع وأنفع من ترك المشكلة تتفاقم فتصبح العلاجات أصعب والنتائج غير مرضية.
إعداد: د. سامي بن محفوظ
تدقيق لغوي: ناصر طارق
المصادر و المراجع:
1. Bonnamy et Kurtz. Guide de l’obésité ]on line [. Paris, 2014. Comprendrechoisir.com.
2. CIBP. Traitement de l’obésité. Fiche de transparence, Mis à jour 2015.
3. Collège des Enseignants de Nutrition. L’obésité de l’adulte. 2010-2011.
4. Gallissot-Pierrot Elise. Pratique d’une activité physique et ses facteurs limitants dans une population d’adultes obèses: Diminution des affects dépressifs et possibilités d’action par le médecin généraliste ]Thèse[. Université de Lorraine, faculté de médecine de Nancy. 2013.
5. Organisation mondiale de la santé. Obésité et surpoids. Aide-mémoire N°311, Octobre 2017.