مع التقدّم العلمي الرّهيب الذي يشهده العالم حاليا، والذي شمل مختلف المجالات، تبادر إلى ذهننا هذا السؤال: يا ترى ما مستقبل المدرسة في ظل هذه التطورات؟ من المعلوم أنّ التعليم قد استفاد من مختلف الوسائل التكنولوجية التي تهدف إلى جعل التعليم والتعلّم أكثر إثارة، والمدرسة -عامة- أكثر مواكبةً للعصر، في محاولةٍ لجذب التلميذ وجعله أكثر اهتماما بالمادة المقدَّمة. فبعدما كان تدريس مادة علمية وفنية معينة سابقا يعتمد بالأساس على الأستاذ كمصدر واحد ووحيد للمعلومة، مع التقدم التكنولوجي، أُدخِلت مختلف تكنولوجيات المعلومات والاتصالات ICT إلى المدارس كجهاز عارض البيانات ( data-show projector)، والحواسيب والسبورة التفاعلية، كي تسهّل مهمّة التدريس للمعلِّم، باعتبارها وسيلةً لا غايةً، وكي تُحفّز التلميذ أكثر لطلب العلم.
لكن مؤخّرا، توقّع خبير في التعليم ونائب المستشار من University of Buckingham، البريطاني Anthony Seldon أن يستبدل المعلّم بالذكاء الاصطناعي في غضون العشر سنوات القادمة. قد يكون السيّد Seldon أوّلَ من حدّد هذه المدة النهائية لأتمتة1 التّعليم، لكنهّ ليس الأوّل الذي لاحظ إمكانيات التكنولوجيا الفائقة وتوقّع أن تحلَّ محلّ العمّال البشر. وبغضّ النّظر عمّا إذا كانت “الروبوتات” تأخذ شكل برامج حاسوبية اصطناعية ذكية أو آلات بشرية، فإنّ الأبحاث تشير إلى زيادة ملحوظة في تطبيق التكنولوجيا لأتمتة نسبة كبيرة من الوظائف في جميع أنحاء العالم.
توقّع السيّد Seldon أن يكون دور المدرسين في الفصول الدراسية مستقبَلا محصورا في إعداد الوسائل التربوية والحفاظ على الانضباط، ما يعني أنّهم سيكونون مساعدين أكثر منه معلمين، فالتعليم سيكون مهمّة الذكاء الاصطناعي. وفي تصريح له لجريدة Independent Uk، يقول Seldon أنّ “الجميع سيستفيد من تدريس المعلّم الأفضل (الذكاء الاصطناعي) وبصفة شخصية تماما، فالبرنامج الذي تعمل معه سيكون معك طوال رحلة التعليم.” إذ بإمكان الذكاء الاصطناعي التأقلم مع الفرد، سيسمع صوت المتعلم و يقرأ تعابير وجهه و يفهمها أيضا. مما يعني أنّه لن تكون هناك دروس مقدَّمة بنفس الطريقة لجميع المتعلمين، بل سيأخذ الذكاء الاصطناعي بعين الاعتبار الاختلافات الفردية واحتياجات كل متعلم بصفة فردية، و يضيف قائلا:” الآلات ستكون على علمٍ بمعظم ما يثير اهتمامك، وتضعك في مستوى طبيعي من التحدي الذي ليس بالصعب جدا ولا بالسهل جدا عليك، فقط التحدي المناسب لك.”
تعدّدت الآراء حول الموضوع بين مؤيِّد ومعارض لاستبدال المعلم بالذكاء الاصطناعي. يرى المؤيدون أنّ الذكاء الاصطناعي سيمكِّن من ملء بعض الثغرات. فالمعلم الرّقمي لن يحتاج إلى عطلة ولن يتأخّر أبدا عن العمل. كما يمكن للمسؤولين عن التعليم تحميل أيّ تغييرات على المناهج التعليمية لأسطول كامل من الذكاء الاصطناعي، ولن يرتكب المعلم الرقمي أيّ خطأ. إلى جانب ذلك، لن يظهر الذكاء الاصطناعي أيّ تحيّز تجاه الطلّاب على أساس الجنس أو العرق أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الدّين، وهذا في حالة ما إذا تمّت برمجته بشكل صحيح. كما يرى المؤيدون أنّ المدراء لن يقلقوا بخصوص أجرة المعلم الرقمي، بل ستستخدم الأموال المتوفِّرة لدفع ما يلزم لتحديث مرافق التعليم أو التكاليف الأخرى المرتبطة بتزويد جميع الشباب بالتعليم المجاني. في المقابل، يقوم المعلّم بدور المساعد، فيتواصل أكثر مع الطلاب وعائلاتهم. كما يمكنه العمل بدوام جزئي لتعزيز العلوم الانسانية والمشاركة المدنية، وفي التخصُّص في الأمور المجرّدة التي تصعب على الذكاء الاصطناعي استعابها كالسخرية والرحمة والمودة والصبر والفضول وغيرها.
في حين يرى المعارضون بأنّه من المستحيل أن يحلّ الذكاء الاصطناعي مكان المعلّم. يقول نائب المستشار من Regent’s University London السيّد Aldwyn Cooper أنّه من الممكن بناء نظام تعليمي يعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي ترصد تقدّمَ تعلمّ الطلاب وكذا الاختلافات الموجودة بين الطلاب أنفسهم، وبيع هذا النظام بسعر خيالي، ومن ثم الطلب من المتعلمين الجلوس في غرفة معزولة وبعدها مشاهدة معدّل الرسوب يتزايد بسرعة. وقدّم السيد Cooper مثالا عن معدّلات الرسوب العالية للطلاب الذين يحاولون استكمال التعليم المفتوح للجميع بأعداد هائلة عبر الإنترنت أو ما يعرف ب MOOC. لذا فالخطر الأكبر الذي سينجرّ من الاعتقاد أنّ الروبوتات سوف تهيمن يوما على نظام التعليم هو وضع ثقة واعتماد كلّي على الذكاء الاصطناعي دون السماح لأي متابعة ودعم مناسب له. من جهتها، توضّح Natasha Smerling أنّ الروبوتات لن تحلّ محلّ المعلم لأنها لا يمكن أن تلهمنا. في حين أنّ الشباب ينغمص أكثر في العالم الافتراضي، أصبحت مهمة المدرّس أكثر أهميّة من أيّ وقت مضى. فالمدرس هو الذي يُبقي المتعلم حقيقيا وعلى قيد الحياة.
“الشخص هو أهم شيء، الشخص هو الذي يحرّض فضولك ويغذيه، لا تستطيع الآلات فعل ذلك بنفس الطريقة التي يفعلها الإنسان.” ستيف جوبز
مع العمل الجماعي يأتي التفاعل الاجتماعي بين الطلاب والمعلمين والإداريين وأولياء الأمور. كما يفسّر عالم النفس الراحل ألبرت باندورا في نظرية التعلم الجماعي، فيتعلم الأطفال في البيئات الاجتماعية من خلال مراقبة وتقليد سلوك وتأثير الآخرين. يحتاج الأفراد إلى الشعور بالانتماء وأنّ لديهم صلات ذات معنى، لا يمكن للآلة تقديم كلّ هذه السّمات. فما نلاحظه في الواقع هو أنّ الناس أصبحو أكثر ارتباطا بالتكنولوجيا، وأكثر انفصالا (جسديا) عن الآخرين.
والحقيقة هي أنّ المعلمين هم الموجِّهين، هم المؤيِّدين. إنّهم إلهام المتعلمين داخل وخارج الفصول الدراسية. ممّا يعني أنّه يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي هو المساعد للمعلم والمتعلم في العملية التعليمية لأجل القفز بالمنظومة التعليمية إلى مستويات أعلى من التفوق والتطور.
____________________________________
- أتمتة: الأتمتة هي استخدام الكمبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات أو المتحكِّمات والبرمجيات فـي مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدماتية من أجل تأمين سير الإجراءات والأعمال بشكل آلي دقيق وسليم وبأقل خطأ ممكن . الأتمتة هي فنّ جعل الإجراءات والآلات تسير وتعمل بـشكل تلقائي ومؤخرا باستخدام المعالجات الصغرية. (فاطمة محمود رزق زعرب، 2008، ص. 10)
تدقيق لغوي: سهام جريدي
المصادر: هنا
Outmoune, R. (2016). Investigating the ICT Sources Perception and Usage by Algerian Teachers: the case of secondary school EFL teachers. A thesis submitted to the University of Bejaia in partial fulfillment of the requirements for the Master’s Degree in Applied Linguistics and ELT. Retrieved on February, 23rd,2018 from: http://bit.ly/2GH3LEr
Frey, C. B. & Osborne, M. (2013). The Future of Employment: How Susceptible are Jobs to Computerisation? Oxford: Oxford Martin Programme on Technology and Employment
فاطمة محمود رزق زعرب، الأتمتة ودورها في تحسين أداء إدارات شؤون الموظفين في الوزارات الحكومية في قطاع غزة: دراسة مقدّمة كمتطلَب تكميلي لنيل درجة الماجستار في إدارة الأعمال. 2008