يُعدُّ اضطراب الهَلَع، أحدَ أهم اضطرابات القَلق، وغالباً ما تُصاحبهُ بعض الاضطرابات، كالخوف من الأماكن المُرتفعة، ورِهاب الأماكن المفتوحة. وقد يَظهرُ كاضطراب مُصاحب، في اضطرابات المزاج أيضاً، وقد أوضَحت العديد من البحوث أن حوالي (10% – 12%) من الأشخاص، قد تعرّضوا لخبرة الهَلع خلال سَنة.
مفهوم اضطراب الهلع:
هُوَ عبارة عن نوبات مُتقطّعة للخوف أو الفزع، مصحوبة بأعراض “فيزيولوجية” ومعرفية. ووفقاً لدليل التشخيص (DSM5)، فإنّهُ يَتميّز بالقلقِ المُستمر، وبتغيّراتٍ سلوكية، تُصاحبهُ نوبات ذعر، غير مُتوقّعة، أي دون سببٍ واضح (1)
تُوضّح دراسات و بحوث ميدانية آليّة حدوث اضطراب الهلع، إذ أظهَرَت الدِراسات التي أُجرِيَت على التَوائم، على وجود عامل وراثي يُساهم في خطر الإصابة باضطراب الهلع، ولكن الباحثين يؤكدون تُورّط عدد مُعيّن من الجينات، هنالك عرضين، الأكثر شيوعاً، وهما عرضين خطيرين جداً، يَظهَران في اضطراب الهَلع، وهما: ضيق التَنفّس و الاختناق. فقد أظهرت الدِراسات، أن زيادة مُستويات ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الهواء يُزِيدُ من احتمالية حدوث نوبات الذعر، لدى معظم الأفراد الذين يعانون من اضطراب الهلع، على عكس الأفراد الذين لا يُعانون منه.
الآليات التي تَحدثُ أثناء استنشاق (CO2) وعلاقتها بظهور نوبات القلق غير واضحة و غير مفهومة، أمّا نظرية اضطراب الهَلع يَنتجُ عنهُ فَرط الحساسيّة، أي “نظام إنذار الاختناق” تُوضّح أنَّ نوبات الذعر تَحدثُ عندما يَتمُّ تشغيل هذا النظام “الإنذار” التي كَشَفَت عن وجود إشارات، كارتفاع مُستويات ثاني أكسيد الكربون (CO2).
وقد بَيّنت أبحاث سابقة على الفئران، أنَّ بروتين يُسمّى (ASIC1a) يَسلكُ بطريقةٍ لا إراديّة آلية، كما أنَّ جِهاز استشعار (CO2) الموجود في اللوّزة (amygdale) – وهي منطقة في الدَماغ، مُهمّة لإدراك الخطر والخوف – حيثُ أنَّ هذا الجين الـ (ASIC1a) يُنظّم القَلق الناجم عن ثاني أكسيد الكربون (CO2).
قام عددٌ من الباحثين الدوليين بدراسة، نُشِرَت في مَجلّة الطبّ النَفسي (البيولوجي)، حول النسخة البشريّة من الجينات، جين الـ(ASIC1a) و جين الـ(ACCN2). و قام كلٌ من (جوردن Jordan W) و (سمولر Smoller) و (بروس م Bruce M) و (كوهين Cohen) من كليّة الطبّ بجامعة (هارفارد)، وزملائهم، بِمُقارنة مُتغيّرات، من جين الـ(ACCN2) لدى (414) شَخصاً يُعانونَ من اضطراب الهَلع و(846) شخصاً لا يُعانون من اضطراب الهَلع، في مجموعةٍ أخرى من الأشخاص الأصحاء، حَيثُ قاموا بتحليل العلاقة الارتباطية بين الاختلافات الجينية، وتشريح اللوزة، لدى(1048) شخص، فضلاً عن التعرّف على وظيفة اللوزة، في أكثر من (100) فرد منهم. تَرتبطُ العديدَ من المتغيرات المُختلفة لجين (ASIC1a) باضطراب الهَلع، حيثُ أنَّ الرابط المُشترك بين المُشاركين هو الأعرَاض التنفّسيّة، بما في ذلك، ضيقٌ في التنفّس والاختناق بشكل كبير.
تُعدّ المُتغيّرات الجينيّة المُرتبطة بحالةِ الذعر، مُرتبطةً أيضاً مع حجم اللوزة والاستجابة الكبيرة للتهديد الانفعالي، خاصةً لدى الأفراد الذين يُعانونَ من اضطراب الهَلع. من الواضح أنَّ هذهِ النتائجُ تُزيدُ من احتمال الفرض القائل أنَّ الأدوية التي تثبطُ أو تُعدّل البروتين (ASIC1a( قد تكون مُفيدة في علاج الذعر أو غيرها من أشكال القلق والخوف، حسب تصريحات الباحثين.
صرّحَ (جون كريستال – John Krystal)، مُحرّر مَجلة الطبّ النفسي (البيولوجي) ” بأنهُ وللمَرّة الثانية نَرى أنَّ هنالك آليّةٌ متورطةٌ في الخوف،ِ وفي خطر الإصابة باضطرابات القلق، والتي لها قاعِدتها في آليّة أساسية للبقاء على قيد الحياة”
تدقيق : عقيل الزيادي