يزخر التاريخ الإنساني بأسماء علماء لهم وزنهم في العلم والفلسفة. علماء ساهموا بطريقة أو بأخرى في دفع عجلة العلم. ولحسن الحظ، تمكنت النساء من إثبات قدراتهن في مختلف المجالات. شخصية اليوم نادرًا ما يتم ذكر مساهمتها، بل قليل من يعرف عنها وعن ما قدمته للبشرية: آدا لوفلايس-عالمة الرياضيات ومبرمجة الحاسوب.
كانت آدا بايرون (Ada Byron) ابنة زواج قصير المدة بين الشاعر الرومانسي (Lord Byron) و (Isabelle Milbanke) التي انفصلت عن زوجها بعد ولادة بايرون. بعد أربعة أشهر غادر بايرون (Lord Byron) انجلترا إلى الأبد. لم تقابل أدا والدها أبدًا بعد ذلك (توفي والدها في اليونان عام 1823). تكفّلت السيدة بايرون بتربية ابنتها. كانت حياة أدا مثالًا للصراع بين العاطفة والعقل، بين الذاتية والموضوعية، بين الشعر والرياضيات، بين اعتلال الصحة والطاقة المتدفقة. لطالما تمنّت السيدة بايرون أن لا تكون لابنتها ميول شعرية كوالدها. ولأجل تحقيق ذلك، عمدت إلى توفير الدروس الخصوصية في الرياضيات والموسيقى كوسيلة لمواجهة الميول الشعرية لابنتها والتي كانت تعتبرها “خطيرة”. أصبح التمازج الوراثي المعقّد لأدا واضحًا في وقت مبكر من عام 1828، عندما أبدعت في تصميم آلة طيران. بفضل الرياضيات، أصبحت لحياة أدا أجنحة.
انتقلت السيدة بايرون وأدا إلى مجتمع النخبة في لندن، الذي لم يضم رجال الدين أو أشخاص يهتمون بالسياسة ، ولكنه ضمّ أشخاصًا يهتمون بعلم النبات، الجيولوجيا أو علم الفلك. في بداية القرن التاسع عشر، لم يكن هناك وجود لِعلماء “محترفين” (في الحقيقة، كلمة “عالم” صاغها “William Whewell” في عام 1836فقط)، في حين لم تشجّع مشاركة النساء من طبقة النبلاء في المساعي الفكرية على نطاق واسع. أصبح (Charles Babbage)، أحد العلماء النبلاء في ذلك العصر، الصديق الدائم لأدا. عُرف أستاذ الرياضيات في جامعة كامبريدج (Charles Babbage) باختراعه ل” مُحرك الفرق “(Difference Engine)، وهي عبارة عن آلة حسابية متطورة تعمل بطريقة الفروق المنتهية (the method of finite differences). التقت أدا بباباج في عام 1833، وكان عمرها آنذاك 17 سنة فقط. تبادلوا مراسلات كثيرة حول مواضيع الرياضيات والمنطق، وفي نهاية المطاف في جميع المواد الدراسية.
في عام 1835، تزوجت أدا بِ وليام كينغ (William King) الذي يكبرها بعشر سنوات. بعدها ورّث كينغ وأدا لقب” ايرل “و” كونتيسة “ل (Lovelace). رزقت أدا بثلاث أطفال. تولّت السيدة بايرون إدارة العائلة وثرواتها، ونادرًا ما عارضها كينغ في ذلك.
في عام 1834، وضع (Babbage) مخططات لنوع جديد لآلة حاسبة: آلة تحليلية، بالرغم من عدم الانتهاء من صنع محرك الفرق. رفض البرلمانيون الذين كانوا رعاة لمشاريع Babbage دعم مشروع الآلة الثانية بسبب عدم اكتمال صنع الآلة الأولى. في المقابل، تلقّى (Babbage) تعاطفًا من الخارج على مشروعه الجديد. في عام 1842، نشر عالم الرياضيات الإيطالي (Louis Menebrea) مذكرة باللّغة الفرنسية حول موضوع الآلة التحليلية. جنّد (Babbage) أدا لترجمة المذكرة. ولمدة تسعة أشهر ممتدة من 1842 و 1843، عملت أدا بجد على المقال وعلى مجموعة من الملاحظات التي أُلحقت به. أكسبها اجتهادها وتحليلها شهرة دائمة. لقّبت أدا نفسها بالمحلِّلة و(الميتافيزيقية)، ووظّفت هذا الخليط في ملاحظاتها (the Notes). فهمت مخططات الآلة (تمامًا ك Babbage) لكنّها تفوقت في توضيح وصياغة الغرض المنشود من الآلة. اعتبرته حقًا ما قد نسميه حاسبًا الكترونيًا عام الأغراض. كان مناسبًا ل” تطوير [sic] وجدولة أي وظيفة …. تعتبر الآلة التعبير المادي عن أي وظيفة غير محدّدة لأيِّ درجة من العمومية والتعقيد “. توقّعت ملاحظاتها التطورات المستقبلية، بما في ذلك الموسيقى الموَلّدة عن طريق الحاسوب.
توفيت أدا بعد إصابتها بمرض السرطان في 1852، في سن ال 37، ودفنت بجانب الأب الذي لم تعرفه أبدًا. لم يتم إحياء مساهماتها في العلوم إلّا مؤخرًًا، ولكن العديد من السير الذاتية الجديدة تشهد على سحر إنجازات هذه العالمة.
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: سهام جريدي