قامت المصورة الفوتوغرافية الأمريكية “روز لين فيشر” بدراسة دامت حوالي ثمان سنوات أسمتها “طوبغرافيا الدموع”، حيث قامت بجمع مئات الأصناف من الدموع التي تعود لها ولأشخاص آخرين، منها دموع فرح ودموع حزن و غيرها، ثم مقارنتها بعد تجفيفها وتعريضها لمجهر ضوئي. وقد أظهرت الصور المتحصل عليها أن هذه الدموع تختلف كثيراً عن بعضها، فكل منها ترسم لوحة بديعة لا تشبه الأخرى. فما السر وراء ذلك؟
علمياً، فقد قام الباحثون بتقسيم الدموع إلى 3 أقسام من حيث سبب إفرازها:
1/الدموع الأساسية: وهي الدموع الموجودة في العين بصفة دائمة؛ للمحافظة على ميوعتها وخلوها من العناصر الممرضة، وهي غنية بالبروتينات وتقل كميتها كلما تقدمنا بالسن.
2/دموع التهيج: تأتِ هذه الدموع كرد فعل لـ(غسل) و إزالة العامل المهيج، ومثال ذلك الدموع التي نسقطها عند تقطيع البصل أو عند تواجدنا بمكان به دخان أو غبار أو عندما يكون الجو جافاً. كما قد لا يكون العامل المهيج ذا صلة مباشرة بالعين، كتناول طعام ساخن أو لاذع أو عند شم روائح أو عطور معينة.
3/دموع المشاعر (الدموع النفسية): تأتِ هذه نتيجة لمشاعر قوية غير إعتيادية كالفرح، الحزن، الضحك والألم، ويعود ذلك للجهاز النطاقي (منطقة بالدماغ مسؤولة عن الوظائف الإنفعالية) بالضبط على مستوى منطقة جد هامة تدعى “تحت المهاد” أو “الهايبوثالاموس” التي تقوم بتحفيز الجهاز العصبي الذي يقوم بدوره بتنبيه الغدة الدمعية لإفراز هذه الدموع كإستجابة لهذه الإنفعالات.
وقد أظهرت الدراسات أن هذه الأصناف تختلف عن بعضها من حيث المكونات، فقد تبدو الدموع على أنها مجرد قطرات من الماء المالح، لكن تركيبتها في الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، حيث تتكون الدموع -بالإضافة إلى الماء- من المكونات التالية:
1/الشوارد: نذكر منها الصوديوم، البوتاسيوم، الكلور، البيكاربونات، المغنزيوم ولكالسيوم، وهي ما يمنح الدموع طعمها المالح، ويتمثل دور هذه الشوارد في الحفاظ على الطبقة السطحية لخلايا العين بصحة جيدة وضمان عملها بشكل طبيعي.
2/البروتينات: تحتوي الدموع على بروتينات دفاعية مضادة للفيروسات والبكتيريا التي قد تحتل العين، ونذكر من هذه البروتينات الليزوزيم، لاكتوفيرين، ليبوكالين والأجسام المضادة، وتقدر نسبة هذه البروتينات في الدموع بعُشُر نسبتها في الدم. كما تحتوي الدموع -إلى جانب هذه البروتينات- على مواد مغذية عديدة؛ لأن القرنية (وهي النسيج الشفاف المقوس المتواجد في مقدمة العين) غيرمزودة بأوعية دموية توفر لها حاجياتها من المغذيات.
3/الدهون: تلعب الدهون دوراً هاماً في الحفاظ على الدموع من التبخر ومنع إلتصاق الجفون وتسهيل الرمش، حيث يتم إفراز هذه الدهون المسماة بـ “الميبوم” عن طريق غدد ميبوميوس، حيث أن أي خلل على مستوى هذه الغدد قد يسبب مشاكل جد شائعة، كجفاف العين على سبيل المثال.
4/المخاط: يلعب المخاط دوراً أساسياً في ترطيب العين وتوزيع طبقة الدمع على مقلة العين بطريقة متجانسة، ففي حالة غياب المخاط قد تظهر بقع جافة على مستوى القرنية.
لقد أثبتت البحوث أن الدموع النفسية تحتوي على عدد كبير من الهرمونات، وذلك مقارنة بالصنفين الآخرين (كهرمون البرولاكتين وهرمون الموجهة الكظرية ACTH) بالإضافة إلى الوسيط العصبي (لوسين-أنكيفالين) الذي يلعب دوراً هاماً في تقليص إحساسات الألم، ولذلك نشعر بتحسن بمجرد ذرف هذه الدموع، إلا أن جزء كبير من هذه الإختلافات يبقى مجهولاً حتى يومنا هذا.
كما وضحت المصورة أن إختلاف الصور التي تحدثنا عنها في البداية، قد يرجع كذلك لأسباب خارجية كظروف تجفيف العينات وحجمها والتغيرات الكيميائية، بالإضافة إلى طريقة التصوير والتقريب التي تعطي التضاريس الموضحة تنوعاً كبيراً.
تقول “روز لين” حول هذا البحث: “إن الدموع هي لغتنا الأولى في المواقف الصارمة كالموت، والبسيطة كالجوع، والمعقدة كطقوس تغيير عقيدة أو مذهب. فهي دليل على تجاوز حياتنا الداخلية لحدودها المجردة، لتصير أكثر واقعية، حيث تطلق صراحنا نحو إمكانية التعديل، التنفيس، الجمع بكل عفوية ودون أي كلمات. فكل دمعة تحمل بين جزيئاتها عالماً مصغراً لسائر خبرات الإنسان، كأنها قطرة ماء من محيط”.
دموع الذكريات:
دموع التعاطف :
دموع المطالبين بالحرية:
دموع القهر:
تدقيق لغوي: “مراد بدر”