قد يكون المدخنون عرضة للإصابة الحادة بكوفيد-19، جزئيا، بسبب احتواء رئتيهم على الكثير من نقاط الدخول التي يمكن للفايروس استغلالها.
تبدأ الإصابة بكوفيد-19 من المستقبل ACE2 والذي هو عبارة عن بورتين موجود على سطح الخلايا في كامل الجسم،بما فيها القسم العلوي والسفلي من الجهاز التنفسي. فايروس كورونا المسبب لكوفيد-19 والمعروف ب SARS-CoV-2 عليه أن يرتبط بإحكام مع المستقبل ACE2 لكي يستطيع أن يحقن مادته الوراثية داخل الخلايا ومن ثم يتناسخ وينتشر. تقترح الأبحاث الأولية أن تراكم عدد كبير من مستقبلات ACE2 داخل الرئتين المعرضتين لدخان السجائر، يجعل العضوية أكثر قابلية للضرر الذي تسببه فايروسات كورونا.
قال المؤلف المشارك جايسون شيلتزر الزميل الباحث في مختبر كولد سبرينج هاربور في نيويورك، لـ Live Science في بريد الكتروني: <<أفيد أن المدخنين الذين يصابون بكوفيد-19 يميلون إلى الإصابة الحادة أكثر من الأفراد غير المدخنين>>. وكما قال إن زيادة مستقبلات ACE2 قد تكون إحدى الأسباب – الكثيرة – لإصابة المدخنين الحادة بفايروس كورونا.
أما الدكتور ستيفان كريستنسون الأستاذ المساعد في قسم أمراض الرئة والعناية المركزة والحساسية وطب النوم في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو فقال: <<إن الدراسة التي نشرت في 31 آذار على قاعدة بيانات ما قبل الطباعة bioRxiv لم تتم مراجعتها من قبل الأقران بعد، وتبقى فرضيتها “تخمينية إلى حد ما” وهو الذي لم يتم إِشراكه في هذه الدراسة>>.
كما قال الدكتور كريستنسون ل Live Science: <<سواء أكان وجود مستقبلات ACE2 مرتفعا، أو كان وجود مستقبلا ACE2 منخفضا وماذا سيؤثر ذلك على الإنذار الكلي للمرض لديك- لا أعتقد أننا نعلم ذلك بعد>>.
كما أضاف شيلتزر:<< يقوم التدخين بالكثير من الأشياء للجسم ومن الممكن أن تأثير التدخين على كمية ال ACE2 ليس العامل الأكثر أهمية>>.
ارتباط التدخين بالإصابة الحادة:
هنالك أدلة متزايدة تظهر بأن المدخنين، وبالمقارنة مع غير المدخنين، يواجهون خطورة أكبر لتطوير مضاعفات حادة والموت بسبب الإصابة بكوفيد-19.
على سبيل المثال، أجريت دراسة على أكثر من 1000 مريض في الصين ونشرت في مجلة England Journal of Medicine، وجدت هذه الدراسة بأن المدخنين المصابين بكوفيد-19 كانت حاجتهم للتدابير الطبية المركزة أكثر من أولئك الذين لم يدخنوا.
كما وجدت هذه الدراسة أنه تم إدخال 12.3% من المدخنين الحاليين إلى وحدة العناية المركزة أو تم وضعهم على أجهزة التنفس الإصطناعي أو ماتوا بالمقارنة مع 4.7% فقط من غير المدخنين.
قد يكون المدخنون عرضة بشكل خاص لكوفيد-19 لعدة أسباب ولكن فرضية مستقبلات ACE2 “تؤَمِّن ربطا شموليا وميكانيكيا” بين التدخين والإصابة الحادة كما أوضح الباحث جابر القحطاني في طب الجهاز التنفسي في كلية جامعة لندن في بريد الكتروني إلى Live Science. كما أضاف أنه في حال عززت البحوث المستقبلية الصلة بين كمية المستقبلات وحدة المرض فيمكن عندها أن يتم استخدام الأدوية التي تكبح أو تقلل من حساسية المستقبلات ACE2 كعلاج.
مداخل أكثر للرئة:
لرسم الإرتباط بين مستقبلات ACE2 والتدخين قام كل من شيلتزر ومهندس البرمجيات في مختبر شيلتزر جون سميث بفحص عينات من نسج الرئة والجهاز التنفسي؛ تم أخذها من فئران وجرذان وبشر مرضى، بالإضافة لعينات جمعت أثناء عمليات جراحية للبشر. لوحظ بأن عدد مستقبلات ACE2 في الرئتين لم يختلف عند القوارض باختلاف العمر والجنس ولوحظ ذات الأمر عند البشر.
بما أن العمر والجنس لم يكن لهما علاقة بكمية مستقبلات ACE2، دفع هذا الباحثين للتفكير بإمكانية حدوث فرق في حال التعرض لدخان السجائر.
فحص الفريق عينات نسج فئران سبق وتم تعريضها لدخان السجائر المخفف لمدة 0 أو 2 أو 3 أو 4 ساعات في اليوم ولمدة خمسة أشهر. لاحظوا بأنه كلما ازدادت فترة التعرض كلما ازداد عدد مستقبلات ACE2 داخل رئتي الحيوانات. بمقارنة الفئران غير المعرضة مع الفئران المعرضة لأكبر كمية من دخان السجائر، وُجد أن الأخيرين لديهم 80% أكثر من المستقبلات في رئتيهم. من ثم قارن الباحثون بين رئتي البشر المدخنين مع الذين لم يدخنوا مطلقا، مرة أخرى، وجدوا ظاهرة شبيهة: احتوت رئتا المدخنين على 40% ل 50% مستقبلات ACE2 أكثر من غير المدخنين.
اختلفت كمية مستقبلات ACE2 بحسب ‘‘سنوات-علبة‘‘ والتي هي عبارة عن طريقة قياس يتم حسابها من خلال ضرب عدد علب السجائر المدخنة من قبل الشخص في اليوم بعدد السنوات التي دخن خلالها الشخص. فعلى سبيل المثال، لاحظ المؤلفون أنه بين المدخنين الذين خضعوا لجراحة في الصدر، أظهر الأشخاص الذين يدخنون أكثر من 80 عام-علبة زيادة بنسبة 100 ٪ في مستقبلات ACE2 مقارنة بالأشخاص الذين يدخنون أقل من 20 عام-علبة.
بينما امتلكت النسج المعرضة للدخان مستقبلات ACE2 أكثر، لم يستطع الفريق تحديد أي من الخلايا تحتوي على هذا المستقبل. ومن خلال فحص أي من البروتين يظهر على أي من الخلايا، وجد الفريق أن ACE2 ظهرت على الخلايا التي تعالج الأوكسجين وأكسيد الكربون في الرئتين المعروفة بالخلايا السنخية نوع 2. ولكن ظهرت بشكل رئيسي على الخلايا التي تفرز سائل مخاطي في المجاري التنفسية المعروفة بالخلايا الكأسية وخلايا كلارا. يملك معظم غير المدخنين خلاياهم الكأسية وكلارا في أنفهم وحلقهم، بينما عند المدخنين تبدأ هذه الخلايا بالتراكم في الرئتين أيضا كما وجد المؤلفون.
قال كريستنسون: <<ما يقترحونه هو أنه عندما تدخن تصبح لديك زيادة في الخلايا الكأسية -في الجهاز التنفسي السفلي-، وهذا صحيح بالتأكيد>>.
كما قال كريستنسون: <<الأدلة على أن التدخين يعزز عدد الخلايا الإفرازية في الرئتين تم الوصول إليها منذ عقود، بالإستناد على تقرير في عام 1999 في المجلة الأمريكية لطب الجهاز التنفسي والعناية الفائقة. يعمل السائل المخاطي الذي تفرزه الخلايا الكأسية وكلارا كحاجز واقي ويلتقط الجسيمات والغبار والدخان والعوامل الممرضة التي يتم سحبها إلى داخل الجهاز التنفسي>>. كما أضاف كريستنسون: <<عندما يقوم الناس باستنشاق الدخان إلى رئتيهم، تعزز العضوية من دفاعاتها عن طريق بناء المزيد من الخلايا الإفرازية وزيادة إنتاج المخاط. وتحدث العملية ذاتها عند الأشخاص المعرضين لمستويات عالية من تلوث الهواء>>.
تبقى فرضية:
لاحظ كل من شيلتزر وسميث أنه وعلى الرغم من العدد الكبير للخلايا الكأسية وكلارا المثقلة بمستقبلات ACE2 قد تشرح سبب إصابة المدخنين بكوفيد-19 بشكل حاد، تبقى العلاقة بين مستقبلات ACE2 وإنذار المرض “بحاجة إلى المزيد من الإيضاح”.
كما أضافوا بأن التدخين يترافق مع العديد من الأمراض (حالات طبية عديدة تتظاهر بشكل عفوي) بما فيها انتفاخ الرئة وضعف الوظيفة المناعية والتي من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم عدوى كوفيد-19. وأضاف كريستنسون أنه وبشكل عام، يواجه المدخنون خطورة عالية للإصابة بالعدوى الفيروسية مسبقا، ومن المرجح أن يكون ذلك بسبب جهازهم المناعي الضعيف وتلف الأنسجة والإلتهاب المزمن في جهازهم التنفسي.
كما كتب المؤلفون: <<قد تكون الكميات الكبيرة من مستقبلات ACE2 ليس حصرا على المدخنين وحسب وإنما أيضا تكون شائعة عند الأشخاص الذين يعانون من أمراض رئوية بشكل عام>>. قام الفريق بفحص عينات من نسج مرضى مصابين بالربو ومرض التهاب الساركويد ولكن لم يكن لديهم كميات غير طبيعية من المستقبل.
أوضح القحطاني أن الأبحاث المستقبلية قد تركز على المرضى الذين يعانون من مرض الإنسداد الرئوي المزمن (COPD)، والتهاب الشعب الهوائية، والالتهاب الرئوي أو أمراض الرئة الناجمة عن الالتهابات البكتيرية أو الفيروسية أو الفطرية، لإيضاح كيفية الربط بين كمية المستقبلات ACE2 مع الأمراض الرئوية بشكل عام. في حال كانت لديهم أيضا كميات كبيرة من ACE2 على خلاياهم فإن ذلك قد يساعد في توضيح فيما إذا كانت السجائر تشكل خطرا بحد ذاتها على مرضى كوفيد-19 أو أن الحالات الرئوية الأخرى تشكل خطرا أيضا لنفس السبب.
إذا ثبت أن التدخين يشكل خطرا بحد ذاته على مرضى كوفيد-19، فإن الدراسة تقدم حلاً محتملاً.
قال شيلتزر:<<أظهرنا أن المدخنين السابقين لديهم كميات أقل من ACE2 من المدخنين الحاليين – حوالي 30٪ أقل-.من الممكن أن يكون الإقلاع عن التدخين مفيدًا للتقليل من تأثيرات كوفيد-19 لأسباب متعددة>>.
وقال القحطاني: <<في الواقع، إنها تسمح لنا أيضًا بالأخذ في عين الإعتبار الحملات والبرامج التي تهدف إلى مساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين كاستراتيجية وقائية للمضي قدمًا>>.
إعداد: يزن قنجراوي
تدقيق لغوي: كعبوب أسماء