“الرُواقية” هي فلسفة أزهرت لأكثر من أربع مائة سنة خلال الحضارتين الإغريقية والرومانيَّة، حيث تلقت رواجا واسعا بين كلِّ طبقات المجتمع آنذاك. ويعتبرالسياسي والكاتب الروماني لوكيوس أنّايوس سينيكا، والإمبراطور الروماني الشهم ماركوس أوريليوس أحد أبرز أعمدتها. تهدف هذه الفلسفة إلى تعليمنا كيف نكون هادئين وصامدين لمواجهة القلق والألم، فمن بين كل الفلسفات، تبقى الأكثر فعالية في أوقاتنا الأكثر تشتتا.
تساعدنا الرواقية على مواجهة أربع مشكلات أساسية:
القلق: عندما تصيبنا أمورأً مشتِتة وصعبة، عادة ما يحاول الآخرون مواساتنا بقولهم أنَّ كلَّ شيء سيكون على ما يُرام. لكن الرواقيين يرفضون تماما هذه الطريقة، لأنَّهم يؤمنون أنَّ القلق ينمو في الثغرة ما بين ما نخاف وما نأمل أن يحدث، وكلما كبرت هذه الثغرة زاد تعكرنا وتشتُّتنا. كل ما نحتاج للقيام به هو أن نسحق، بذكاء، كل ذرَّة أمل موجودة، بدل استرضاء أنفسنا بأفكار مشرقة، أي أنَّه من الأفضل أن نتصالح بشجاعة مع أسوء ما قد تؤول إليه الأمور، ونتعايش مع ذلك. فعندما نُجابه مخاوفنا ونتصور كيف ستكون الحياة إن حدثت، سنخلص إلى استنتاج هام: أنَّنا سنتأقلم.
فالإنسان بطبيعته يتجاهل أسوء التوقعات، الأمر الذي سيتفاقم ليصبح ذا تأثير سادي عليه، في حين أنَّه قد يصل إلى تقبل الأمر بتصور أسوأ السيناريوهات الممكنة. لذلك يقول سينيكا: ” لتخفِّف من قلقك، عليك أن تفترض أن ما تخافه أن يحدث، سيحدث بالتأكيد”. فالرواقية ما هي إذا إلا تمرين ذكي على الكوارث.
الغضب: يجد الرواقيون أنَّ الغضب ما هو إلا نتيجة لغباء الإنسان وتصوره الخاطئ للوجود، أي أنه الثمرة المُرة للسذاجة. نحن لا نغضب حينما يحدث شيء حزين، نغضب فقط عندما يكون هذا الأمر غير متوقع. لنكون أهدأ يجب أن نتوقع أقل ما يمكن من الحياة، فالإنسان العاقل يعمل على أن يبلغ حالة ذهنية لا تسمح لأي حادث مفاجئ أن يعكر مزاجه. فالغضب في النهاية ما هو إلا نتيجة للتصادم العنيف بين الأمل والحقيقة.
الارتياب: عندما تصيبنا بعض المشاكل، عادة ما نتساءل لمَّا نكون نحن الضحية، فنقوم برمي كل اللوم على أنفسنا أو على الآخرين، لكنَّ المبدأ الرواقي ينهانا عن فعل ذلك، لأن لا أحد مسؤول عن هذه الوقائع.
رغم أنَّ الرواقيين لم يكونوا من الداعمين للاعتقادات الدينية، إلا أنهم اعتبروا كثيرا من الإلهة “فورتونا” التي كانت تمثل لهم صورة القضاء والقدر. لقد كانت من أكثر الآلهة تأثيرا آنذاك لكونها تتحكم بمصير البشر، وغالبا ما تمَثل على أنها الخليط الرهيب بين العطاء والوفرة، والحقد والجموح. لذلك فقد كان على كل رواقي احترام فكرة أن الحياة ستبقى دائما بين يدي هذه الشخصية المتقلبة. إن فهم هذا المبدأ يجب أن يجعل منا حذرين عند النجاح ومتسامحين مع أنفسنا عند الفشل.
تشوش الأفكار: نحن بطبيعتنا نبالغ في أهميتنا، فالحوادث التي تصيبنا قد تأخذ حيزا كبيرا من نظرتنا للحياة، فنتوتر ونجزع. لكي نستعيد رباطة جأشنا، يجب علينا أن نعدِّل رؤيتنا للأشياء ولا نعطيها أكبر من حجمها. يجب أن نتخلى عمَّا يوهمنا أنَّ ما نحن عليه وما نفعله مهم جدا. لطالما نصح الرواقيون طلاب الفلسفة بتأمل السماء ليلا، فرؤية الكواكب والنجوم اللامعة وسط ظلمة الليل إشارة إلى امتدادات الفضاء اللامحدودة في المجرة والكون. لهذا المشهد تأثير مهدئ، فمقابل هذه الخلفية، ندرك أن مشاكلنا وطموحاتنا ليست لها أيَّة أهمية من المنظور الكوني.
نحن اليوم بحاجة لانتهاج المبدأ الرواقي أكثر من أيِّ وقت مضى، فبالرغم من أنه قد يبدو مظلما ومتشددا، لكنه في نفس الآن، عميق وأكثر ما قد يُواسي يومياتنا على الإطلاق، فالرواقية تدعونا للتصرف برزانة وبطولية في وجه ما قد يواجهنا من متاعب في الحياة.
المصادر: هنا
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي