تمهيد:
يعتبر ميدان صعوبات التعلم من الميادين الجديدة نسيبا في ميدان التربية الخاصة، حيث كان اهتمام التربية الخاصة سابقا منصبا على أشكال الإعاقات الأخرى كالإعاقة العقلية والسمعية والبصرية والحركية ولكن بسبب ظهور مجموعة من الأطفال الأسوياء في نموهم العقلي والسمعي والبصري والحركي، ولكن يعانون من مشكلات تعليمية بدأ المختصون في التركيز على هذه الفئة.
ما هي صعوبات التعلم؟
حسب مكتب التربية الأمريكي فإن صعوبات التعلم هو مفهوم يشير إلى خلل في تحصيل الطفل وقدرته العقلية العامة في واحدة أو أكثر من مجالات التعبير الشفهي أو الكتابي أو الفهم السمعي أو الفهم القرائي أو المهارات الأساسية للقراءة أو إجراء العمليات الحسابية أو الاستدلال الحسابي أو التهجي، أي أن الطفل لديه مستوى ذكاء لا بأس به، ولا يعاني من الإعاقة العقلية، لكن في نفس الوقت يعاني من بعض المشكلات في التعلم، وهذه المشكلات يمكن أن تظهر في فترة ما قبل المدرسة، كما يمكن أيضا أن تظهر مع التمدرس، ومن بين أهم الأسباب المؤدية إليه حسب الدراسات هي الوراثة، حيث أن دراسة “كالفنت 1988” وجدت أن الأطفال الذين يفتقرون لبعض مهارات القراءة ينتمون إلى آباء يعانون من نفس المشكلة، وإذا كان أحد التوائم يجد صعوبات في المهارات الأكاديمية فإن توأمه الآخر يعاني من الصعوبة ذاتها، كما أن الآباء الذين يعانون من اضطراب التعبير اللغوي تكون قدرتهم على التحدث مع أبنائهم أقل أو تكون لغتهم المستخدمة غير مفهومة وبذلك يفقد الطفل النموذج الجيد لاكتساب اللغة، بينما يشير علماء النفس إلى أن كل من الأسرة والمدرسة تلعب دورا حاسما في إصابة الطفل بصعوبات التعلم، وذلك يحدث من خلال أن الضغط الأسري أو التفكك الأسري وعدم وجود نموذج أبوي صالح خلال النمو المبكر للطفل يعتبر تهديدا أمنيا للطفل خاصة وأنه يحرمه من الدفء العاطفي الذي يحتاجه والذي يجعله يعيش نوعا من عدم الاستقرار، والمدرسة قد تساهم في تفاقم هذه المشكلة من خلال الوسائط التربوية غير الملائمة مثل، المقرر المدرسي، نظام التقييم، النشاطات، وغيرها من الوسائل التي لا تتلائم مع التكوين النفسي والمعرفي للطفل.
وتقسم صعوبات التعلم إلى صعوبات التعلم النمائية، أي تلك التي تظهر قبل التمدرس وهي متعلقة بنمو القدرات العقلية والنفسية، مثل الخلل في الانتباه، الذاكرة، الإدراك، اللغة، التفكير وصعوبات التعلم الأكاديمية والتي تظهر أساسا مع التمدرس خاصة مع عمليات القراءة والكتابة والحساب.
علاج صعوبات التعلم:
كما قلنا سابقا فإن مجال صعوبات التعلم هو مجال قائم بذاته ويحتاج إلى معالجين ومختصين في التربية الخاصة، يعني إذا كان طفلك يعاني من هذه الصعوبات فيجب عرضه على مختص ليتكفل به، لكن هناك بعض النصائح التي يمكن أن تفيدك معه، وهي كالتالي:
-يجب أن تدرب ابنك على كل من التركيز والانتباه، ويفضل أن يكون هذا التدريب من خلال اللعب، أو المشاركة الممتعة، مثلا: أن ترسم له خطا مستقيما على الأرض وتطلب منه أن يحمل كوبا ممتلئا في يده، ويمشي على طيلة الخط المستقيم في وقت محدد ودون أن تسقط ولو قطرة ماء من الكأس، أو أن يضع كتابا فوق رأسه ويمشي به على نفس المستقيم وفي وقت محدد ودون أن يسقطه، وبعد أن ينتهي دوره تقوم أنت بنفس النشاط لبثّ روح التحدي بينكما.
-العب مع ابنك الألعاب الخاصة بالذاكرة، أية لعبة كانت، المهم هو أنها تنشط ذاكرة الطفل، كما أن ذلك الجو من اللعب مع الطفل يجعله يشعر بالأمان والاستقرار ويحسن من نفسيته، وهذا ما سينعكس إيجابا على الدراسة، فكما قلنا سابقا في الأسباب أنه هناك أطفال يعانون من صعوبات التعلم انطلاقا من معاناتهم الأسرية.
-التعزيز: التعزيز هو تحفيز الطفل للقيام بالنشاط المرغوب فيه عن طريق مكافئته بأشياء هو يحبها ويرغب فيها بالأصل، فمثلا إذا كان ابنك يعاني من صعوبات في مجال القراءة فاطلب منه أن يقرأ لك قصة أو صفحات من كتاب هو يرغب فيه أساسا وهو من قام باختياره، وبعد أن ينتهي من قراءته أخبره بأنك فخور به وأن قراءته كانت رائعة جدا وأنك استمتعت جدا بالأمر معه، وترغب بحماس أن يقرأ لك مجددا، كما يمكن أيضا أن تعده بأنك ستشتري له كتابا جديدا من اختياره إن حسن قدراته أكثر، لكن مع أخذ الحيطة من هذا الأمر، فالوفاء بالوعد هنا هو أمر أساسي، وإن لم تقم بما وعدته به فسيخلق ذلك مشاكل جديدة مستقبلا.
-قم بتعليم طفلك أن يتقبل أخطاءه، وأن يتعامل معها وكأنها أشياء طبيعية تحدث يوميا لكل الأشخاص دون استثناء، بل الأخطاء هي إحدى مصادر التعلم، ويجب أن يتعلم من كل خطأ يقع فيه، لكن في هذا يجب أنت أيضا أن تسير على نفس المنهج وتتقبل أخطاء طفلك، ففي النهاية الأطفال يتعلمون من أفعالنا أكثر مما يتعلمون من أقوالنا، لذلك على كل أب أن يقوم بكل ما يقول حرفيا.
-تعليم الطفل أن يقدر ذاته لأن هؤلاء الأطفال حتى لو لم يكونوا يعانون من سوء تقدير الذات فإن هذا يمكن أن يحصل مستقبلا خاصة في المدرسة، لما يجد الطفل نفسه لا يحصل على علامات مدرسية مرضية مقارنة بزملائه في الصف، ويمكنه أن تعلمه تقدير ذاته من خلال أشياء بسيطة جدا، مثل أن تطلب منه أن يقوم بمهمة أنت تعلم مسبقا بأنه سينجح فيها، ثم بعد أن ينهيها تقوم بشكره على ذلك، مع إشعاره بأنه طفل محبوب ومرغوب فيه، أو مثلا تجعله يتأكد بأنك لا تجيب على الهاتف في الوقت الذي تقضيانه معا لأنه أغلى من جميع الأشياء الأخرى لديك.
النصائح التي قدمتها لك ما هي إلا نقطة في بحر من الأشياء التي يمكن أن تقوم بها لطفلك، لكن أهم نصيحة أقدمها لك هي أن تقضي أكبر وقت ممتع مع طفلك، إن أبنائنا هم صفحات بيضاء نحن نخط عليها ما نشاء، والطفل إذا كان يعاني من المشاكل فإنه في علم النفس يسمى بـ: “الطفل العرض”، أي أنه ما هو إلا عرض لمشاكل جمة في العائلة أهمها غياب أو ضعف التواصل، لذلك فإن العلاج مع الطفل وحده لا ينفع، بل يجب أن يقترن العلاج مع تغيرات إيجابية في المناخ الأسري، إن شجرة اليوم هي بذرة الأمس، كذلك طفلك وحالته اليوم ما هي إلا نتيجة تصرفات قمت بها الأمس، فتدارك الأمر وقم بالإصلاح، ربما سيكون الأمر صعبا، لكنه قطعا غير مستحيل.
المصدر:
-جدو عبد الحفيظ: استراتيجيات مواجهة الضغوط النفسية لدى المراهقين ذوي صعوبات التعلم.
تدقيق لغوي: سليم قابة.