شهر ماي هو شهر التوعية بالصحة النفسية حيث تحرص عدة منظمات حكومية وغيرها، على إقامة مؤتمرات توعوية للتقليل من المفاهيم الخاطئة والتصرفات السلبية اتجاه المرض النفسي وكذلك تقييم أنشطتها.
وبما أن الكثيرين حول العالم وخاصة في العالم العربي يمتنعون عن طلب المساعدة من الأخصائيين النفسانيين بسبب الخرافات المنتشرة بكثرة في الأوساط الشعبية أولا، والمفاهيم الخاطئة التي نصادفها في الأفلام و الروايات ثانيا، قررنا إعداد هذا المقال الشامل لأشهَر الخرافات المحيطة بالعلاج النفسي، وإيضاح حقيقته.
العلاج النفسي عبارة عن حوار فقط
في أغلب الأفلام اعتدنا على نفس الصورة النمطية حيث يتم اختزال العلاج النفسي في جلسات حوار يتكلم المريض فيها عن مشاكله بإسهاب ثم يفسر الطبيب تجربة المريض ودلالاتها، إلا أن الحقيقة تكمن في تدريب الأطباء على استخدام أساليب علاجية حديثة، حيث يشترك كِلا الطرفين في عملية تفاعلية ينتج عنها تحديد لب المشكلة، ثم وضع خطة للعلاج مع مراقبة للتقدم المُحرز من طرف المريض عن طريق إعطائه مهامًا تختلف باختلاف المشاكل التي يواجهها.
إذا كنا صادقين بشأن ألمنا وغضبنا وأوجه قصورنا بدلاً من التظاهر بعدم وجودهم، فربما سنترك العالم مكانًا أفضل مما وجدناه.” – راسل ويلسون
المجنون وحده يحتاج العلاج النفسي
أنت تتابع لدى طبيب نفسي؟ هل أنت مجنون؟ عبارات يتم ترديدها عن جهل، وفي الحقيقة، المتابعة عند طبيب نفسي تنم عن فِطنة و نظرة مستقبلية.
معظم من يلجؤون للعلاج النفسي يعانون من نفس المشاكل اليومية التي نتعرض لها من فشل العلاقات العاطفية إلى تأزُّم المشاكل الأُسرية، ضغط العمل، إنعدام الثقة بالنفس…إلخ، فكيف يمكن أن يكون البحث عن حلول صحية لمشاكلنا اليومية -بدل كتمِ مشاعرنا وقمع أفكارنا- ضربًا من الجنون؟
“يُمكن التحدث عن أي شيء، وأي شيء يمكن التحدث عنه يمكن التحكم به، عندما نتحدث عن مشاكلنا فإنها تصبح أقلَّ إرباكًا، أخفّ ثقلًا على كاهلنا و أقل رعبًا” – فريد روجر
يمتلك الطبيب حلًا جاهزًا لكل مشكلة
من أهم مكونات العلاقة بين المريض والطبيب، إيضاح أن ما يعتقده المريض أهم مما يعتقده المعالج بخصوص المشكلة المراد حلها، فالمعالج الجيد يُكيِّف جلسات العلاج حتى تتناسب مع احتياجات المريض، ولا يقوم بإرغامه على خطة علاج جاهزة.
لا يستمع المُعالج إلى قصة المريض ثم يصف له مباشرةً، بل يبحث عن المعاني الخفية والأنماط المتكررة المختبئة خلف قصته من أجل مساعدته على المدى الطويل.
يمكن للمعالج النفسي أن يصف أدوية
من أكثر الأفكار الخاطئة انتشارًا أن المعالج النفسي يستطيع وصف الأدوية وهذا أمر خاطئ، فالطبيب النفسي وحده يستطيع فعل ذلك. ويرجع هذا إلى الخلط بين المفاهيم الطبية التي يتم استخدامها بكثرة في هذا المجال، فمُهمة المعالج النفسي أن يُرافِق ويساند المريض في تحديد وحلِّ مشاكلِه فقط أما الطبيب النفسي فيقوم بوصف الأدوية اعتمادًا على مسار العلاج.
يمكن حل المشاكل في جلسة علاج واحدة أو جلستين
الحياة الواقعية تختلف عن الأفلام، فجلسة واحدة لا تكفي حتى لتحديدِ المشكلةِ المرادِ حلُّها، ومتوسط زمن جلسات العلاج هو 50 دقيقة وأول جلسة يتم تخصيصها عادةً للتعارف، لذلك يستغرق الأمر عدة جلسات من أجل الوصول للُب المشكلة.
أما متوسط فترة العلاج هي بين 3-4 أشهر ويُمكن القول أن هناك خطبًا ما، إذا طالت فترة العلاج مع نفس الطبيب بدون تحقيق تحسن في حالة المريض.
يشعر العميل بتحسن بمجرد انتهاء الجلسة
يمكن لهذا السيناريو أن يكون ملائمًا لقصة ما لكنه بعيدٌ عن الحقيقة تمامًا، فالمرضى ليسوا سيارات والمعالجون ليسوا ميكانيكييين. يُعتبر المريض مشاركًا فعالًا في خطة عِلاجه، في حين يحاول المعالج مساعدته على مواجهة مشاكله، تبديد مخاوفه و الكشف عما يٌزعجه.
يُقال أن الأمور تسوء قبل أن تتحسن، إلا أن المعالج الجيِّد يحرِص دائمًا على توجيه المريض إلى بر الأمان.
“ما تحتاجه الصحة النفسية هو المزيد من ضوء الشمس، المزيد من الصراحة و المزيد من المحادثات الخالية من تبادل اللوم
غلين كلوز
يقوم المعالج بلوم طفولة المريض
المعالج الجيد لا يقوم بلوم أو تحميل شخص آخر اللوم على مشاكل المريض مثل الآباء. بل يعطي نظرةً موضوعية للأمر الواقع ويساعد المريض على إدراك مشاكله وتحمُّل المسؤولية من أجل التحسن.
لا يقوم المُعالج الجيد أبدًا بدفع المريض إلى التغيُّر عن طريق لومه أو وصمِه بالعار.
يصبح المعالج صديقًا للمريض
يمكن وصف العلاقة بين المريض والطبيب بالحميمية لما تنطوي عليه من مشاركة للمشاكل والصراعات الشخصية، إلا أنها تبقى علاقةً مهنية بحتة، يلتزم فيها المُعالج بالحرص على أن تكون علاقته بالمريض محصورةً بالجلسات الاستشارية، البريد الإلكتروني، الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة الضرورية فقط.
يمكن أن يفقد المعالج رخصته إذا تجاوزت علاقته بالمريض الحدود لتصبح صداقة، كما أنه يُمنع منعًا باتًا الإفصاح عن إسم ومحتويات الجلسات أو معلومات المريض.
“الصحة النفسية … ليست وِجهة، بل عملية. إنها تتعلق بكيفية قيادتك، وليس وِجهتك”. – نعوم شبانسر
لا تستسلم للوصم. لا يحدد التشخيص من أنت أو ما يمكنك القيام به!
سأحتاج العلاج النفسي دائمًا
القول بالحاجة الدائمة للعلاج النفسي خاطئ، فالكثير من المرضى يتحسنون ويقررون متابعة حياتهم دون العلاج النفسي أو به، ويعتمد ذلك على مدى تحسُّن المريض ورغباته.
تجدر الإشارة إلى أن المعالجين والأطباء النفسانيين هم بشرٌ مثلنا لديهم عائلات ومشاكل يومية لا تختلف عن مشاكلنا، يمكن أن يؤثر عملهم على حياتهم بطريقةٍ أو بأخرى، ولهذا يلجأ أغلب الأطباء النفسانيين والمعالجين إلى العلاج النفسي لمنع حدوث أي تداخل بين مشاكل المريض ومشاكلهم، وللحرص على الموضوعية التامة.
إعداد: رميساء بغيبغ
تدقيق لغوي: أنس شيخ