تَوصَّلت هذه الدِّراسَة أن الأنسجة البَشريَّة العَاديَّة مَليئة بالطَّفرات، حيث يَحتَوي الجِلد على مُستَوى عالي من الأصباغ مُقارنَةً بالأنسجة الأُخرى في الجِسم.
جِسم الإِنسان عِبارَة عن أجزاء صَغيرة مُعقدَّة تَتَكوَّن من مَجموعات من الخَلايا ذات جينومات مُختَلفَة، والعَديد من هَذِه المَجموعات تَحمِلُ طَفَراتٍ يُمكن أن تُسهِمَ في الإصابَة بالسَّرَطان.
وِفقًا لمَسحٍ شامِل لـ29 نوعًا مختلفًا من الأنسِجَة، والذي يُعدُّ أكبر دراسَة حتى الآن، فهي تَجمَع بَيانات من آلاف العيِّنات التي تمَّ جَمعُها من حوالي 500 شخص وتمَّ نشرُها فى مجلَّة العُلوم، ويُمكن أن تُساعِدَ العُلماء على فَهمٍ أفضَل لكيفيَّة بَدء السَّرطان وكيفية اِكتشافه مُبكِّرًا.
يَقول “إنيجو مارتينكورينا” عالِم الوِراثَة في مَعهَد “ويلكوم سانجر” في “هينكستون” بالمملكة المتحدة:
“نحنُ نُقدِّرُ الآن أنَّنا أجزاء صَغيرَة وأن عددًا كبيرًا من الخَلايا في جِسمِنا تَحملُ بالفِعل طَفَرات السَّرَطان فهذِه هي بُذور السَّرطان”.
تَنشَأُ الأجزاء الصَّغيرة في الأنسِجَة مع تَراكُم الطَّفرات للخَلايا من أخطاء الحِمض النَّووي التي تَزحَفُ أثناء اِنقسام الخَلايا، أو بسَبَب التَّعرُّض للعَوامل البيئيَّة مِثل الأشعَّة فَوق البَنفسَجيَّة أو دُخان السَّجائر. عندَما تَنقسِمُ خَليَّة الجِلد مع طَفرَة مُعيَّنَة فإنها يُمكِنُ أن تَخلُقَ قِطعَةً من الجِلد مُختَلفةً وراثيًا عن جيرَانِها.
وقَد وَجدت الدِّراسات السَّابقة مُستوياتٍ عاليَة من الأصباغ في الجِلد، المَريء والدم، يتِمُّ جَمعُها عَادةً من هَذِه النَّتائِج من تَسلسُل جينات مُحدَّدَة في عيِّنات الأنسِجَة المِجهريَّة.
أنماط معقدة
لَفَتَت هذِهِ الدِّراسَات اِنتباه “جاد جيتز” عالِم الأحياء الحِسابيَّة في مُستَشفى “ماساتشوستس” العام في بوسطن، حيثُ قرَّر “جيتز” وفَريقُه اِتِّخاذ مَسار مُختَلِف بَدَلاً من تَسلسُل الحِمض النَّووي من عيِّنات دَقيقَة، فإنَّهُم يَقومون باِستخراج قَاعدَة بيانات من بيانات تَسلسُل الحِمض النَّووي الرِّيبي من المَشروع.
Genotype-Tissue Expression) GTEx)
ولأنَّ الجِسم يَستخدِم الحِمض النَّووي كقَالَب لصُنع تَسلسُل في الحِمض النَّووي الرّيبي، تَنعَكِس الطَّفرات في الحِمض النَّووي في بَعض الأحيان في الحِمض النَّووي الرّيبي.
أعطى “جيتز” وزملاؤه قَرارَ دِراسَةِ الحِمض النَّووي الرّيبي وصولاً سريعًا إلى البيانات من 6700 عيِّنة مَأخوذَة من 29 من الأنسِجة في حَوالي 500 شَخص، لكن نَتائِجَهُم لها عُيوبُها، فلَيس كل رموز الحِمض النَّووي تنتمي للحِمض النَّووي الرّيبي، لذَلِك لن تَكون كلُّ طَفرة في الحِمض النّووي واضِحَة في تَسلسُل الحِمض النَّووي الرّيبي.
ونَظرًا لأنَّ العينَات المُستخدَمَة كبيرَةٌ نسبيًا، فقد يتمُّ مَحو تَوقيع الحِمض النَّووي من المَجموعات الصَّغيرة من الخَلايا ذات الجينومات الفَريدَة عن طَريق الأعداد الأكبَر بكَثير من الخَلايا الأُخرى، وعلى العُموم وَجَدَت الدِّراسَة أمثِلَةً أقلَّ من الأصبَاغ في بَعضِ أنواع الأنسِجَة ممَّا كان مُتوقَّعًا على أَسَاس البُحوث السَّابِقَة لكن المِّفتاح كما يَقول “مارتينكورينا” هو أنَّ التَّحليل الأَخير أظهَرَ أن الأصبَاغ مَوجودَة في مَجموعَةٍ واسِعَة من الأنسِجَة.
إنَّ الأَنسِجَة التي تَحتَوي على نِسبَة عاليَة من إنقسام الخَلايَا، مِثلَ تِلك التي تُشكِّل الجِلد والمَريء، تَميلُ إلى أن تَكون أكثَرَ تصبُّغًا من الأنسِجَة ذات المُعدَّلات الأقل من اِنقسام الخَلايا.
وتَزدَاد التَّصبُّغات أيضًا مع تقدُّم العُمر، وتَكون سائِدَة بشكلٍ خاص في الرِّئَتين والأنسِجَة الجِلديَّة التي تَتَعرَّض لعوامل بيئيَّة يُمكِن أن تُلحِقَ الضَّرَرَ بالحِمضِ النَّووي.
إشارات خفية
TP53 هو الجين الذي يُساعِد على إصلاح تَلَف الحِمض النَّووي والمَعروف بإسم حَارس الجينوم، وأحد أكثَر مَواقع الطَّفرات شُيوعًا والتي تَرتَبطُ بعضُ التَّغييرات فيه بالسرطان، ولكن قد يَتطلَّب حُدوث طَفرات إضافيَّة في جينات أُخرى قَبل أن تُؤدِّي الخَلايا إلى ظُهور أورام.
يَقولُ “إرين بليزانس” الذي يَدرُس عِلم الجينوم السَّرطاني في وَكالة “بريتيش كولومبيا” للسَّرطان في “فانكوفربكندا”:
” ما نَراهُ هو بَعضٌ من التَّغييرات الأولية السَّرطانيَّة التي سَتجمَعُ بعد ذَلك المَزيد من الطَّفرات، وفي النِّهاية قد تُصبِحُ نسبَةٌ صغيرَةٌ منَها سَرطانًا “.
يَقول البَاحِث “كريستيان توماسيتي” عالِم الرِّياضيات التَّطبيقية في جامعة “جونز هوبكنز” الطِّبية في “بالتيمور” بولاية “ماريلاند” الأمريكية، إنَّ الباحِثين بحاجَة الآن إلى إيجاد طُرق لفَرز أيٍ من هَذِهِ الخَلايا التي ستُصبِحُ أورامًا، ويُمكِنُ أن يَكون ذَلك حاسِمًا لتَحسين الجُهود المَبذولَة للكَشف عن السَّرطان في وقتٍ مُبكِّر.
طَوَّر “توماساسي” طُرقًا للكَشف عن الحِمضِ النَّووي للوَرَم المُنتَشِر في الدَّم، والذي يَأمَلُ الباحِثون أن يتمَّ اِستخدَامُه يومًا ما لإيجاد عَلاماتٍ مُبكِّرَة للسَّرطان، لكنَّه يَقولُ أنَّ فَريقه فُوجِئَ في البِدايَة عندما اِكتشَف أنَّ هُناك بَعض التَّغييرات في النَّتائِج المُرتَبِطة بالسَّرَطان، والتي تُشيرُ إلى وُجود وَرَم كان في السَّابِق مِن خَلايا الدَّم الطَّبيعيَّة.
ويقول “توماساسيتي : “هذا الوَضع الفَوضَوي هو الوَضع الطَّبيعي الجَدي، والتَّحدي الآن هو مَعرِفَة النُّقطة التي نُسمِّيها شَيئًا طبيعيًا”.
تدقيق لغوي: أنس شيخ.
تصميم: رامي نزلي
المصدر: هنا