من بين جميع الأسئلة التي ابتلي بها العلماء، قد يكون السبب وراء توسع الكون هو الأكثر تعقيدًا بينها. فلماذا لا تكتفي المجرات البعيدة بالابتعاد عنا فحسب، ولا “تتسارع” مُبتعدة عنا؟ دفع هذا السؤال العلماء إلى افتراض وجود مواد غامضةٌ وغريبة مثل المادة المظلمة والطاقة المظلمة، وكلها سميت تحديدًا لحقيقة أننا لا نعرف ما هي؟. في مايو 2017، نشر الفيزيائيون من جامعة كولومبيا البريطانية تفسيرًا جديدا للتوسع المتسارع في الكون. الجزء الأكثر إثارة للاهتمام حول هذا التفسير هو انه قد يحذف كلمة “المظلمة” من “الطاقة المظلمة”، موضحًا ماهيتها مرةً واحدة وإلى الأبد.
قوة الغموض
عندما نشر ألبرت أينشتاين نظريته النسبية العامة في عام 1916، بدى لآينشتاين أن هناك خطبًا ما. فتنبأت نظريته بأن الكون يجب أن يكون في حالة توسع أو انكماش، إلا أنه كان يعتقد هو ومعظم العلماء في ذلك الوقت أن الكون كان ثابتًا. ومن أجل “إصلاح” نظريته، توصل إلى مصطلح جديد سماه الثابت الكوني؛ طريقةٌ لكبح التوسع – أو لوضع صبغة رياضية عليه – إذا جاز التعبير. في عام 1929، أعلن إدوين هابل أن دراسته حول المجرات القريبة أظهرت أن الكون يتوسع بالفعل، وقال آينشتاين في وقت لاحق إن إضافته للثابت الكوني هو “أكبر خطأ ارتكبه”. يدرك العلماء المعاصرون الآن أن هذا التوسع “يتسارع” فعلاً.
لكن الفيزيائيين لم يتخلوا عن الثابت الكوني. بدلا من ذلك، قاموا باستخدامه بطريقة أخرى. الآن يُفهم عمومًا بأنه “القوة” التي تدفع الكون للتوسع. وبطريقة أخرى، يصف الثابت الكوني “كثافة الطاقة في الفضاء الخالي”، أو الطاقة الفراغية – التي لسنا مُتأكدين من ماهيتها – مما يعني أننا لسنا مُتأكدين من سبب تسارع توسع الكون. بشكل عام: الطاقة المظلمة هي قوةٌ غير مرئية من نوع ما تجعل الكون يتوسع.
إحدى النظريات تقول إن الطاقة المظلمة هي في الواقع “الطاقة الفراغية” المذكورة أعلاه. المشكلة هي أن نظرية المجال الكميّ (النظرية التي تصف كيف تتفاعل الجزيئات الدقيقة جدًا) تتنبأ بالطاقات الفراغية الكبيرة جدًا لدرجة أن الكون لا يجب أن يكون موجودا. وعندما تأخذ التسارع بعين الاعتبار وسط هذا؟ انس الأمر برمته. فوفقًا لـجيسي امباك من Jesse Empak لايف ساينس LiveScience: “في الأساس ، يجب أن تكون كثافة الطاقة في الكون (مقدار الطاقة الموجودة لكل وحدة حجم) هائلة الضخامة، ومن الواضح أنها ليست كذلك”.
ألا يمكن لجميع النظريات أن تكون على وفاق؟
لإصلاح هذه المشكلة، قام العديد من العلماء بالتلاعب مع فكرة تعديل نظريات النسبية العامة والميكانيكا الكمومية. لكن طالب الدكتوراه تشينغدي وانغ Qingdi Wang، المؤلف الرئيسي للتفسير الجديد، أخبر يونيفرس توداي Universe Today : “بدلاً من محاولة تعديل ميكانيكا الكم أو النسبية العامة، نعتقد أننا يجب أن نفهمها أولاً بشكل أفضل. فنأخذ كثافة طاقة الفراغ الكبيرة التي تتنبأ بها ميكانيكا الكم على محمل الجد ونتركها تتجاذب فحسب وفقا للنظرية النسبية العامة دون تعديل أي منهما. ” إذا كنت لا تستطيع التغلب على النظريات، انضم إليها.
أجرى وانغ، وأستاذه ويليام أونرو William Unruh، وطالب زمالة الدكتوراه تشن تشو Zhen Zhu. حسابات جديدة على طاقة الفراغ، مع الأخذ بعين الاعتبار الطاقات الضخمة التي تنبأت بها ميكانيكا الكم. ثم قاموا بفعل شيء آخر: فقد افترضوا أنه في أصغر مستويات الزمكان، قد تكون هناك تقلبات خشنة تتأرجح بين التوسع والانكماش. وكما يصفه إمباك: “تقلبات الفراغ، في صياغة وانغ، هي مثل الأطفال على أرجوحةٌ يدفعونها بأرجلهم، فعلى الرغم من عدم قيام أحد بدفعهم، إلا انه ينجحون في نقل طاقة إضافية على الأرجوحة، مما يجعل الأرجوحة ترتفع أعلى مما كانت عليه من قبل.” ويعني ذلك أن التأثيرات الضخمة للطاقة الفراغية تلغي بعضها البعض، وفي نفس الوقت تؤدي أيضًا إلى توسع بطيء لكنه مُتسارع للكون.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا هو الحل للغز المادة المظلمة، لكنه بالتأكيد تطور هام في فهم طبيعة كوننا.
المصدر: هنا
تدقيق: بكار ح.