يعتَمِد تقييم فعَالية التعلم لدَى الفَرد مبدئيًا على ثقتِه في نفسه وفي قراراتِه، ولكنْ هل يُمكن للمحفِّزات الماديَة أنْ تؤَثِّر بطريقةٍ أو بأخرى على طريقة تعلُّمنا وعلى قراراتِنا؟ وهلْ تكون ثِقَتنا بأنفْسِنا أكْبَر إذا كنا نطمح نحو المكافأَة؟ أمْ أنّ خياراتنا تَكون أكثَر مرونَة إذا كنَّا نحاوِل تفَادي العِقاب؟
من أجل البحث أكثر في هذا السياق، قام باحثون من جامعة جنيف بسويسرا باختبار 84 مشاركًا في برنامج من أجل تعزيز التعليم عن طريق المكافأة من جهة، أو العقاب من جهة أخرى، بهدف تحديد إيجابيات و سلبيات كل طريقة. وقد تم إجراء التجربة على مرحلتين:
مرحلة المكافأة :
يتم فيها عرض رمزين مجردَين على المشاركين ويُطلب منهم اختيارُ رمزٍ واحدِ من أجل ربح مبلغ مالي، أحد الرموز مرفق باحتمال ربح يُقدر بـ 75% أما الرمز الثاني فمُرفق باحتمال ربح يقدر ب 25 % فقط. عند تكرار التجربة عدة مرات لوحظ أن المشاركين قد اكتسبوا القدرة على اختيار الرمز الذي له النسبة الأكبر في الربح، كما أن ثقتهم بأنفسهم خلال الاختيار تزايدت بصفة ملحوظة.
مرحلة العقاب:
تم استبدال مبدأ الربح المالي بالخسارة، إذ يتوجب على من يختار الرمز ذو نسبة الخسارة العالية أن يدفع مبلغا ماليّا. فما كان للمشاركين إلا المحاولة جاهدين من أجل اختيار الرمز الذي له أقلّ احتمال في الخسارة. وكانت النتيجة أن المشاركين كانوا أكثر ارتيابًا في قرارتهم وتراجعت ثقتهم بأنفسهم.
عندما يكون الهدف هو الربح تزداد الثقة بالنفس
إذا قمنا بالتدقيق أكثر في هذه النتائج، فسنجد أن هذه الزيادة في الثقة ليست بالضرورة شيئا إيجابيا، إذ أنه من الطبيعي أن تزداد ثقتنا بأنفسنا مع كل ربح، لكن هذا قد يؤدي بسهولة إلى ثقة مفرطة ينتج عنها مبالغة في تقدير مهارات الفرد بصفة عامة. حيث نلاحظ أن غياب هذه الزيادة لدى المشاركين في اختبار الخسارة دفع بهم نحو التشكيك في قراراتهم وبالتالي التفكير بعقلانية أكثر وتفادي المجازفة.
الخوف من الخسارة يجعل الناس أكثر مرونة وتقبلا للتغيير
تم إخضاع المشاركين لتجربة أخرى تم فيها قلب احتمالات الرموز فُجائيا فأصبح الأفضل هو الأسوء والعكس صحيح. كانت النتيجة أن مجموعة ‘المكافأة’ واجهت صعوبة كبيرة في ملاحظة هذا التغيير والتأقلم معه، في حين أن مجموعة ‘العقاب’ كانوا أسرع بكثير في الملاحظة والتأقلم وبالتالي أكثر مرونة.
هذه النتائج توضح أن منهجيّة التعليم يجب أن تكون مصمّمة بطريقة خاصة، وذلك بمراعاة المعلومات التي نريد أن نوصلها إلى الفرد وكذا الطريقة المتبعة في ذلك، وبما أنه لكل طريقة محاسنها ومساوئها فإن سرّ المنهجيّة التعليمية الناجحة يكمنُ في التوفيق بين هذه الطرق وخلق توازن بينها وذلك بناءً على الهدف المرجوّ تحقيقه.
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: زهير خساني
تصميم: رامي نزلي