هل تعتبر نظرية الأوتار من العلوم ؟ على مدى العقد الماضي، كان هذا السؤال محل مناظرة الفيزيائيين وعلماء الكون. واليوم يلجأ المجتمع العلمي للفلسفة للجواب عنه.
في شهر ديسمبر الماضي التقى بعض الفيزيائيون مع فلاسفة العلوم في ورشة عمل خارجة عن المألوف و موجهة لمناقشة موضوع انفصال فروع علوم الفيزياء النظرية عن طبيعة العلوم التطبيقية. يقول منظمو ورشة العمل أن هذه القضية تضع مصداقية المنهج العلمي بالإضافة إلى سمعة العلوم في أوساط العامة على المحك.
عقدت ورشة العمل في جامعة لودفيج ماكسيميليان في ميونخ الألمانية من السابع إلى التاسع من ديسمبر، و نتجت عن مقال نشر في مجلة (Nature) العام الماضي، عبر فيه عالم الكون جورج إليس من جامعة كايب تاون الجنوب أفريقية وعالم الفلك جوزيف سيلك من جامعة جونز هوبكنز الأمريكية عن أسفهم على المنحنى المقلق الذي تسلكه الفيزياء النظرية.
المقال من مجلة (Nature) عدد 516 من ص 321-323 الصادر عام 2014 : 1، كتب العالمان في المقال: ” يجادل بعض العلماء، نتيجة لمواجهتهم صعوبات في تطبيق النظريات الأساسية إلى الكون المشاهد، أنه إن كانت النظرية واضحة و متناسقة فلا حاجة لتجربتها عملياً “.
كانت إمكانية اختبار النظرية من ضمن أول المواضيع التي تمت مناقشتها. ويطالب العلماء عادة أن يكون هنالك تجربة تسمح بالأساس بنقض نظرية ما أو تغليطها حتى تقبل كنظرية العلمية، تماما كما صاغ الفيلسوف كارل بوبر في ثلاثينيات القرن الماضي. وأشار إيلس وسيلك في مقالهما أنه في بعض المجالات ضل علماء الفيزياء النظرية عن هذه القاعدة الأساسية، ووصلوا لحد الجدال لجعلها أقل صرامة.
واقتبس الثنائي نظرية الأوتار كمثال أساسي. وتنص النظرية على استبدال الجزيئات الأساسية بأوتار متناهية الرقة لتوافق النظريات المتناقضة والتي تصف الجاذبية والعالم الكمي. ويعتبر البعض هذه الأوتار شديدة الصغر ليتمكن من مشاهدتها بتقنيات يومنا هذا.بينما يجادل آخرون أن نظرية الأوتار تستحق الدراسة سواء كانت التجارب قادرة على قياس آثارها أم لا. وذلك لاعتقادهم بأنها الحل الصحيح للعديد من المسائل الغير محلولة.
واستدعى سيلك وإيليس نظرية أخرى تخالف مبدأ بوبر السابق ذكره. وتنص هذه النظرية على أن مفهوم الأكوان المتعددة (multiverse universe) جاء نتيجة للانفجار الكبير (The Big Bang) والذي صنع عدة أكوان، يختلف معظمها جذرياً عن الكون الذي نعرفه الآن.
و أشار في افتتاحية ورشة العمل عالم الفيزياء النظرية في جامعة كاليفورنيا – سانتا باربارا، ديفيد غروس، إلى الفرق ما بين النظريتين. حيث صنف نظرية الأوتار كنظرية قابلة مبدئياً للاختبار وعليه فهي تندرج تحت النظريات العلمية، لاحتمالية قابلية الكشف عن الأوتار.
وأضاف غروس أن المقلق فعلياً هو المبادئ، كمبدأ الأكوان المتعددة لأن الأكوان الأخرى التي تقترحها النظرية غير قابلة للمشاهدة من كوننا الحالي. يعلق غروس قائلا: “الجدال بشأن نظرية الأوتار وكونها ليست من العلوم لأنها غير قابلة للاختبار حالياً هو محض السخف “، غروس تشارك جائزة نوبل عام 2004 عن عمله في مجال القوة النووية الشديدة، المجال الممكن اختباره في التجارب، كما قدم العديد من الإضافات المهمة في نظرية الأوتار.
ويوافق كارلو روفيللي، عالم الفيزياء النظرية في جامعة إيكس-مارسيليا الفرنسية، على أن كون نظرية الأوتار غير قابلة للاختبار في يومنا هذا لا يجعلها أقل استحقاقاً لمجهودات ووقت العلماء. كان الهدف الرئيسي لمقال إيليس و سيلك هو مشاهدات للفيلسوف ريتشارد دافيد من جامعة لودفيج ماكسيميليان في كتابه نظرية الأوتار والمنهج العلمي (الناشر: جامعة كامبريدج، 2013). كتب دافيد أن علماء نظرية الأوتار بدأوا بمتابعة مبادئ الإحصاء لبايز (Bayesian Statistics)، والتي تقدر إمكانية حدوث توقع معين على أساس معرفة مسبقة، ومن ثم تعدل التقديرات كلما زاد مقدار المعرفة المكتسبة. ولكن أشار دافيد أن علماء الفيزياء قد بدأوا باستخدام عوامل نظرية بحتة، كالتناسق الداخلي لنظرية ما أو غياب بدائل معقولة، لتحديث التقديرات بدلاً من بناء تلك التقديرات على معلومات فعلية.مناقشة حيوية
في ورشة العمل، اشتد الجدال ما بين غروس، الذي اقترح أن شح البدائل لنظرية الأوتار يجعلها أكثر قابلية للصحة، و روفيللي، الذي عمل لسنوات عدة على بديل للنظرية يدعى الجاذبية الكمية الحلقية (loop quantum gravity). روفيللي يعارض الافتراض الداعي بأنه لا يوجد بدائل قابلة للتطبيق. بينما إيليس يرفض فكرة أن العوامل النظرية قادرة على تحسين الاحتمالات. و يضيف ايليس، “ردي على مبدأ الاحتمالات على طريقة بايز (Bayesianism) أن الدليل الحديث يجب أن يكون دليلاً تجريبياً “.
وقد قام آخرون بالإشارة لقضايا منفصلة تحيط باستخدام مبادئ بايز للإحصاء لدعم نظرية الأوتار. أضافت سابين هوسين فيلدر، عالمة الفيزياء في المعهد الشمالي للفيزياء النظرية في ستوكهولم، أن رواج نظرية الأوتار قد يكون سبباً للانطباع السائد بأنها النظرية الوحيدة المستحقة للاهتمام. ولكن الزخم حول هذه النظرية قد يكون لأسباب اجتماعية، تقول هوسين فيلدر:” قد يكون توجه الباحثين الجدد لهذه النظرية نتيجة لكون آفاق العمل أفضل في هذا المجال مقارنة مع غيره من المجالات الأقل شهرة، على سبيل المثال “.
و علق مؤرخ العلوم، هيلغي كراغ من جامعة آرهوس في الدنمارك علق من المنظور التاريخي، قائلا:” الاقتراحات الداعية لحاجتنا (لطرق علمية جديدة) قد تم طرحها مسبقاً، ولكن المحاولات لاستبدال قابلية الاختبار التجريبي بمعايير أخرى قد كان مصيرها الفشل دوماً “. ولكن على الأقل المشكلة محصورة في مواضيع قلة في الفيزياء، يضيف كراغ:” نظرية الأوتار وعلم الأكوان المتعددة هي أجزاء بسيطة مما يقوم به معظم علماء الفيزياء “.
هي ليست بمواساة لروفيللي، الذي شدد على الحاجة للتصنيف واضح بين النظريات العلمية المثبتة بالتجارب العملية و تلك التي بنيت على تأملات. “من السيء أن يوقفك الناس في الشارع لسؤالك: هل تعلم أن عالمنا مصنوع من أوتار وأن هنالك العديد من العوالم المتوازية؟ “.
في نهاية ورشة العمل لم يبدو أن علماء الفيزياء المتخالفين في وجهات النظر قد أضحوا أقرب للاتفاق. دافيد، والذي شارك في تنظيم الحدث مع سيلك، إيليس و آخرون، يقول بأنه لا يتوقع بأن يغير الناس من اعتقاداتهم بصورة أساسية. ولكنه يأمل أن الانفتاح على توجهات أخرى للمنطق قد تؤدي إلى تقريب وجهات النظر ولو بصورة ضئيلة. يقترح إيليس وسيلة تسمح بالانغماس بصورة أكبر، كمدرسة صيفية على مدى أسبوعين، قد تكون قادرة على النجاح بإحدات إجماع للرأي في المشاركين.
المصدر : http://goo.gl/NZDk5u