تبدو أدمغتنا قادرة على توقع المستقبل !
فقد تبيّن أن جزءًا من دماغنا يصبح فعالا إذا علم بأن شيئا مرغوبا ما سيكون مدعوما وبقوة من قبل الآخرين، حتى ولو كان الوعي يقول عكس ذلك. وإذا كانت نتائج الأبحاث هذه تعمل في مجالات حياتية مختلفة، فإن توقّع الأحداث “النيرولوجي” سيكون سببا في الحصول على استطلاعات رأي أفضل وتوقعات أصحّ حول التغيرات في الأسواق المالية.
لمعرفة إذا كان بالإمكان توقع تصرف الناس بالمجال التجاري، قام « بريان ناتسون – Brian Knutson » من « جامعة ستانفورد – Stanford University » في كاليفورنيا بمسح أدمغة 30 شخص حول موضوع تمويل 36 مشروع من موقع كيكستارتر.
لقد وضعت عروض وأفلام وثائقية لهذه المشاريع. وقد تم مسح دماغ كل مشترك بالبحث عند مشاهدته للعرض، وثم سألهم بالتالي إذا يريدون تمويل المشروع أم لا.
وبعد انتهاء العروض الحقيقية للمشاريع بعد أسابيع، اكتسبت 18 منها تمويلا كافيا للتقدم. بعد دراسة مسوحات أدمغة المشتركين، اكتشف الفريق بأن الفعالية في منطقة “النواة المتكئة” كانت مختلفة عندما تطرقوا للمشاريع التي كان من الواضح أنها ستنجح في المستقبل.
مفارقة التوقع:
لقد طور الفريق خوارزميات لتحديد هذه الاختلافات في فعالية الدماغ باستخدام بيانات من 80% من المشاريع، وبعد ذلك قاموا باختبار البرنامج على الـ20% المتبقية. بمساعدة الفعالية العصبية فقط، كان بإمكان البرنامج معرفة أي من المشاريع سوف يتم تمويلها بدقة 59.1% – أكثر من المتوقع بالمصادفة.
لقد تفاجئ فريق ناتسون جدا لدرجة أنهم قاموا بإعادة التجربة مع مشتركين جدد وحصلوا على نفس النتائج!
“هذا مدهش للغاية،” يقول « ستيفان بود – Stefan Bode » من « جامعة ميلبورن – University of Melbourne » في أستراليا، “ولكنني أشعر أن هذا سيتركنا مع مفارقة قوية: كيف للدماغ أن يعرف أي المشاريع قد يكون ناجحا بينما يجهل ذلك الشخص نفسه؟ ”
التوقعات العامة:
في الواقع، يكون الاختلاف في الأداء في الغالب بسبب العوامل المتعددة التي تحملك للقيام بالقرارات. على سبيل المثال، فعالية منطقة النواة المتكئة قد ترتفع مع احتمالية شراء قطعة بسكويت من الشوكولاطة، بينما قد تتدخل مناطق أخرى من دماغك في اتخاذ القرار، لتملي عليك بأنك في حمية غذائية أو بأنه يجب عليك أن تصرف أموالا أقل على المسليات.
حتى ولو لم تشتري قطعة البسكويت، يقول ناتسون، تقوم منطقة النواة المتكئة بالفوز في هذا الصراع عند أشخاص آخرين، أو قد تقودك إلى شراءها في وقت لاحق.
“إذا كان بإمكاننا تفكيك عمليات اتخاذ القرارات في الدماغ، عندها سوف يكون بالإمكان تحديد الفعالية التي تمثل نية الشخص – بالمعدل – حول القرار الذي سيتخذه في النهاية،” يقول ناتسون. “ويبدو أن الفعالية في النواة المتكئة تلاءم هذا الدور. وبهذا يمكن تعميمها لتمثل الأغلبية.”
يقترح بود بأن أبسط تفسير لنتائج ناتسون هو أنه هنالك شيء ما يتعلق بالعروض التي شاهدها المشتركون في البحث، والتي بالتالي تفاعلت معها النواة المتكئة بقوة، وأن رد الفعل الايجابي أو السلبي لهذا المحفز هو الذي يتوقع نجاح العرض في المدى البعيد.
أنت ضد دماغك:
تتم فعالية النواة المتكئة في المراحل الابتدائية من اتخاذ القرار، ومع ذلك، قد لا يأخذ الأفراد هذا العامل بعين الاعتبار، وقد لا يقومون بموازنته مع عوامل أخرى، عند اتخاذهم لقرار دعم المشروع المعروض أو عدمه، أو توقع ما سيميل الآخرون لدعمه أو لا. بل وقد لا يكونون واعين بشكل أساسي لرد فعلهم الابتدائي والايجابي للمشروع، وإذا كان سيحرز تقدما أو لا، وهم بالتالي لا يدركون لماذا اتخذوا القرار النهائي بالذات.
“من هنا يضعف الرابط بين توقعاتهم الشخصية وبين ما سيكون ناجحا بالفعل،” يقول بود.
رغم ذلك، ففي المعدل، يبدو أن الناس ينتبهون للنواة المتكئة أكثر مما يتجاهلوها، وهذا يفسر سبب توقع نشاط هذه المنطقة لعدد كبير من الناس، انطلاقا من عينة صغيرة.
” بدايتنا في فهم أصل هذه الظاهرة، ستكون خطوة عظيمة للتقدم في مجال التوقع العصبي لتصرفات الأفراد، وقد تكون قابلة للتطبيق في مجالات أخرى، كالقرارات المتخذة في الصحة والاقتصاد،” يقول بود.
إضافة إلى ذلك، فإن استعمال أجزاء أخرى من الدماغ قد يحسن من أداء توقعات آلية مسح الدماغ . إذ قام فريق ناتسون بتدريب البرنامج على فعالية الدماغ ككل، وتمكنوا من توقع النتائج بدقة 67%.. ويعتقد ناتسون أن هذه الآلية ستساعد في تحسين نتائج التصويت واستطلاعات الرأي، خاصة حين تكون نتائج العينة غير قابلة للتعميم.
المصدر: هنا
تدقيق لغويّ: أميرة بوسجيرة