هل تناول السكريات يجعلك حزينا؟ دراسة جديدة تثبت ذلك.
فَكر بكَعكة صغيرة، مجمدة بمهارة مع الجَليد والفَانيليا، قد يَجعلك هذا التفكير تبتسم، ولكنّ الأبحاث ذات المدى الطويل، تُشير إلى أنّ هذه الحَلاوة قد تحوّل ابتسَامتك إلى عُبوس، ولكن ليس للأسبَاب التي تفكر بها.
في دراسة جديدة نُشرت في التقارير العلميّة، وَجدت الباحثة أنكيا نوبيل وزملاؤها، صلة بين النّظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة عالية من السكريّات والاضطرَابات النفسيّة الشائعة.
توصي مُنظمة الصحة العالمية بأن يقلل الناس من تناولهم للسكريات يوميًّا (أي السكر، باستثناء السكر الموجود بشكل طبيعي في الفاكهة والخضار والحليب) إلى أقل من 5 في المائة من مجموع استهلاكهم للطاقة.
ومع ذلك، في المملكة المتّحدة، يَستهلك الناس كميّة هائلة من السكريات، ضعف السكريّات في الولايات المتحدة (ثلاثة أضعاف كميّة السكر). ثلاثة أرباع هَذه السكريات المضافة تأتي من الأطعمة الحلوة والمشروبات، مثل: الكعك والمشروبات الغازيّة، أمّا البقيّة فتأتي من الأطعمة المصنّعة الأخرى مثل الكاتشب.
في الوقت نفسه، واحد من كل ستّة أَشخَاص في جميع أَنحاء العالم، يُعانون من اضطراب نفسيّ مشترك، مثل تقلّب المزاج أو اضطراب القَلق.
هل يمكن أن تكون هناك علاقة بين ارتفاع استهلاك السكر والاضطرابات النفسيّة الشائعة؟
تُشير بَعض الأبحاث القديمة التـّي نُشرت في عام 2002، إلى العلاقة بين الاكتئاب واستهلاك السّكر في ستّة بُلدان. وَجد الباحثون من كليّة بايلور في الولايات المتحدة، أنّ ارتفاع معدلات استهلاك السكر باستمرار، مرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب. ومُنذ ذلك الحين، أثبتت دراسات، الصلة بين استهلاك السكر المضاف والاكتئاب النّاتج عن ذلك.
في عام 2011، وَجد الباحثون في إسبانيَا أنّه عند جمع المشاركين على أَساس الاستهلاك الغذائي للمخبوزات التجارية، أولئك الذين يتناولون كثيرًا الأطعمة المخبوزة، لديهم فرصة زيادة الاكتئاب بنسبة 38 في المائة مقارنة مع تلك الموجودة في المجموعة الأقل تناولًا.
في عام 2014، درس الباحثون العلاقة بين المشروبات المحلّاة في مجموعة أمريكية كبيرة، ووجد الباحثون أنّ المشروبات المحلاة بالسكر والمحلاة صناعيًا (مشروبات النظام الغذائي) يمكن أن تزيد من خطر إصابة الشخص بالاكتئاب.
وفي الآونة الأخيرة، وجدت دراسة عام 2015، أجريت على ما يقرب من 70.000 امرأة، أنّ تلك التي تتناول أغذية تحتوي على كمية عالية من السكر المضاف، لها فرص أعلى للإصابة بالاكتئاب، ولكن ليس في الأغذية التي لديها كمية عالية من السكريات الطبيعية، مثل تلك الموجودة في الفاكهة.
ما زلنا غير متأكدين مما يسبب الاكتئاب، ولكن بعض الباحثين يعتقدون أن التغيّرات البيولوجية هي في جذوره، وكان من الممكن أن تتأثر بعض هذه التغيرات بالسكر والطعم الحلو.
على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت على الفئران أنّ الوجبات الغذائية العالية في السكر والدهون، يمكنها أن تقلل من بروتين يسمى “بدف” الذي يؤثر على نمو وتطور الخلايا العصبيّة في الدماغ، ويعتقد أن هذا البروتين يشارك في تطوير الاكتئاب والقلق.
وهناك سبب بيولوجي محتمل آخر هو الالتهاب، ارتفاع الوجبات الغذائية السكرية يمكن أن يزيد من الالتهاب (رد فعل وقائي من الجسم)، وعادة ما توجه ضد الكائنات الحيّة الدقيقة أو الأجسام الغريبة.
في حين أن العلامات الشائعة للالتهاب، مثل الاحمرار، هي بعيدة كل البعد عن اضطراب المزاج، والأعراض التي تبقى لنا في السرير مع البرد هي أقرب بكثير، مثل انخفاض الطاقة وعدم القدرة على التركيز.
وتشير الأبحاث الجارية إلى أنّ اضطرابات المزاج يمكن أن تكون مرتبطة بالالتهاب، على الأقل في بعض الحالات.
الدوبامين هو احتمال آخر، فالأطعمة الحلوة يمكن أن تؤدّي إلى الإدمان مثل الكوكايين، قد يكون هذا بسبب تأثيرها على الدوبامين، وهي مادة كيميائية في الدماغ تشارك في نظام المكافأة. ويُعتقد أنّ الدوبامين أيضا يؤثر على المزاج، والإدمان في حد ذاته يرتبط مع خطر أعلى من تطوير اضطراب المزاج.
وأخيرًا، لتناول السكريّات عَواقب أخرى مثل السمنة، والتي هي في حد ذاتها تؤثر على المزاج.
ولكن من جهة أخرى، يمكن للسكريات أن تعكس أيضا ظاهرة عكسية: مزاج منخفض يمكن أن يجعل الناس يُغيّرون نظامهم الغذائي، ويمكن استخدام الأطعمة الحلوة لتهدئة المشاعر السيّئة من خلال توفير دفعة المزاج على المدى القصير.
ويمكن أن يؤدي المزاج والقلق المنخفضان إلى القيام بمهام بسيطة، مثل التسوّق في البقالة أو الطهي، مما يجعل من الصعب جدًّا على المعانين أن يبدؤوا في تجنبها، وبدلا من ذلك، قد يختارون الوجبات السريعة، والجاهزة -وكلّها تحتوي على نسبة عالية من السكر-.
في دراستها الأخيرة، وضعت “أنيكا نوبيل” وزملائها فكرة الارتباط العكسي للاختبار، استخدمت السكر من الأطعمة الحلوة والمشروبات للتنبؤ باضطرابات المزاج الجديدة والمتكررة في مجموعة من الموظفين المدنيين البريطانيين.
أَجرينا التحقيق حول ما إذا كان وجود اضطراب المزاج سيجعل الناس أكثر ميلا إلى اختيار الأطعمة الحلوة والمشروبات، ووجدنا أن الرجال الذين يُعانون من اضطراب المزاج يتناوَلون أكثر من 67 غرام من السكر، أي لديهم 23٪ زيادة خطر المعاناة من اضطراب المزاج بعد خمس سنوات، مقارنة مع أولئك الذين يأكلون أقل من 40 غرام.
وكان هذا التأثير مستقلًا عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للرجل، والنشاط البدني، والشرب، والتدخين، وعادات الأكل الأخرى، ودهن الجسم والصحة البدنية.
ووجدنا أيضا أن الرجال والنساء الذين يعانون من اضطراب المزاج وارتفاع تناول السكر من الأطعمة الحلوة والمَشروبات هم أكثر عرضة للاكتئاب مرّة أخرى بعد خمس سنوات، مقارنة مع أولئك الذين يستهلكون كمية أقل من السكر.، ولكن هذا الارتباط يفسر جزئيا من قبل النظام الغذائي العام.
لم نجد أي دليل على تأثير عكسي محتمل: لم يغيّر المشاركون في تناول السكر بعد معاناة اضطرابات المزاج.
على الرغم من النتائج التي توصلنا إليها خلال محادثاتنا، إلا أنّه لا يزال هناك عدد من الأسئلة حول ما إذا كان السكر يجعلنا نشعر بالحزن، سواءً كان يؤثّر على الرّجال أكثر من النساء، وما إذا كانت الحلاوة بدلا من السكر نفسه، وهذا ما يفسر الجمعيّات الملحوظة.
ومع ذلك، فمن المؤكد أنّ السكر يرتبط بعدد من المشاكل الصحية، بما في ذلك تسوّس الأسنان، وداء السكريّ من النوع الثاني والبدانة، لذا فإن خفض السكر قد يكون فكرة جيّدة، بغض النظر عما إذا كان يسبب اضطرابات المزاج أم لا.
المصدر: هنا
ــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي: لمونس جمانة.