في بدايات القرن الماضي، ولمدة طويلة ساد الاعتقاد بأن »الحمض النووي-«DNA هو المسؤول الوحيد عن نقل الصفات الموروثة. فخلال تكوين النطفة الأولى، تتحد كروموسومات الأب والأم المختزلة؛ لتكوين الخلية الأولى، وأصبح لدينا ما يعرف بقواعد (مندل) للوراثة، التي تعتمد في تحديد الكثير من الصفات الموروثة، وكذلك تم وضع أسس الوراثة للصفات المعتمدة على أكثر من جين واحد. على أثر ذلك ساد الاعتقاد بأن جميع صفات الإنسان الخلقية والنفسية، يمكن إلحاقها بجينات معينة مسؤولة عنها، وكذلك الكثير من الأمراض العضوية الوراثية، وغيرها مثل (السرطان) سيكون مسببها اختلال في بعض الجينات (DNA).
ومع تقدم الأبحاث، لوحظ أن هذه القاعدة غير قابلة للتطبيق في جميع الحالات. وتم بعد ذلك ربط عدة أمراض عضوية باختلال في عملية قراءة الشفرة الوراثية (DNA) في الخلايا، مما قد يسبب التغير في كميات الحمض النووي، الناقل للشفرة الوراثية (RNA). من هنا جاء علم مايسمى بالوراثة اللاجينية أو الموروثات اللاجينية، التي تعتبر من أهم اكتشافات العصر الحديث في علم الأحياء. وقد تكون متفوقة بذلك على الحمض النووي (DNA).
علم الوراثة اللاجيني أو »علم التخلق-Epigenetics « هو ما يعرف بعلم ما فوق الجينات. والذي يهتم بدراسة اختلاف السمات الخلوية والفيسيولوجية، التي لاعلاقة لها بالتغيرات في الحمض النووي. بصيغة أخرى: علم الوراثة اللاجينية هو الذي يدرس العوامل الخارجية والبيئية، التي تنشط أو تثبط عمل الجينات وتؤثر على كيفية قراءة الخلية للجينات.
على خلاف علم الجينات، القائم على دراسة التغيرات في سلسلة الحمض النووي، أو ما يسمى ب »النمط الجيني-Genotype «، فإن التغيرات في التعبير الجيني و »النمط الظاهري-«Phenotype ، تحدث لأسباب أخرى في علم ما فوق الجينات، ولهذا السبب استخدمت لفظة (Epi) بمعنى: فوق، خارج أو حول.
علم الوراثة اللاجيني يهتم أيضا بالتغيرات الوظيفية، التي تحدث للجينوم – مجموع الجينات في كائن ما- والتي تتضمن التغييرات في سلسلة النيكليوتيدات(DNA)، على سبيل المثال لا الحصر: »ميثيلية الحمض النووي-«DNA Methylation، »التعديلات على الهيستونات-«HistoneModification فكلاهما مسؤول عن تعديل كيفية »تمظهر الجينات-«Gene Expression، دون المساس بسلسلة الحمض النووي. وقد يتم التحكم أيضا عن طريق »البروتينات الكاظمة-«Repressor Genes، التي تمنع الجينات من العمل.
من أحسن الأمثلة على التغيرات فوق الجينية في الكائنات حقيقية النوى: هي عملية التمايز الخلوي، فخلال عملية التشكل (Morphogenesis) تتحول الخلايا شاملة الوسع (totipotent)، إلى خلايا متعددة الوسع (pluripotent) في الجنين، وهي التي بدورها ستتحول إلى خلايا متمايزة بشكل كلي فيما بعد. وهو مايتجلى في انقسام خلية واحدة (بويضة ملقحة)، وتحولها إلى جميع أنواع الخلايا الموجودة في هذا الكائن، من خلايا دموية، وعصبية، وعضلية، وجنسية إلخ. كل هذه الخلايا مع اختلافها تحمل نفس الجينات، وهذا يرجع إلى تثبيط جينات، وتنشيط أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد : ب.ياسين
التدقيق اللغوي : محمد دياب