بينما يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي، لاحظ الفلاسفة، العلماء، والصحفيون ظاهرة تحدث في أحيان متباعدة والتي تعرف باسم “الليالي المُشرقة” أو “الليالي المتوهجة”، حيث تتوهج السماء لسبب غير مفسر مما يتيح لمن يراقبها من الأسفل رؤية الجبال البعيدة بل وقراءة الجريدة في منتصف الليل.
اقترح البروفيسور « جوردون شيفيرد – Professor Gordon Shepherd » وزميله « يونغمين تشو – Youngmin Cho » من جامعة « يورك – York University »، كتفسير لهذه الظاهرة، بأنه:” عندما تمتزج الموجات من غلاف الجو العلوي في مناطق معينة على سطح الأرض، فإنها تقوم بمضاعفة التوهج الليلي الذي ينتج طبيعيًا، وهو عبارة عن ضوءٍ خافت في سماء الليل والذي يظهر أحيانا باللون الأخضر نتيجةً لتفاعلات ذرات الأكسجين في الغلاف الجوي العلويّ.”
وأضاف الباحثان أنه “في العادة، لا يلاحظه الناس، ولكن في الليالي المشرقة يصبح التوهج مرئيًا للعين المجردة، مولّدًا التوهج الذي لم يكن له تفسير على مر التاريخ بالرغم من تدوينه في السجل التاريخي” .
قلّة من الناس فقط من تراقب السماء هذه الأيام بسبب التلوث الضوئي المنتشر،وهذا إن وجدت أصلا هذه القلّة؛ لكن الأبحاث تشير إلى أن هذه الظاهرة يمكن رصدها من قبل العلماء وستكون بارزة-خصوصا- في المناطق المنعزلة.”
توهجات الضوء الساطعة قد تكون محط قلق لعلماء الفلك، حيث أنه عليهم مواجهة كمية الضوء الزائدة خلال قيامهم بمراقبات للسماء.
التسجيلات التاريخية لليالي الساطعة تعود لآلاف السنين:
كتب « بليني ذا إلدير – Pliny the Elder »، في القرن الأول بعد الميلاد، وهو فيلسوف وعالم طبيعة وصاحب موسوعة « تاريخ الطبيعة – Naturalis Historia »التي جاءت في 37 مجلد، أن: “هذه الظاهرة تسمى عادةً “الشمس الليلية”، أي كأن هنالك ضوء ينبثق من السماء خلال الليل، تم رصده خلال قنصلية كاسيليوس وبابيريوس (113 بعد الميلاد)، وفي أوقات عديدة أخرى، والتي فيها شوهد الليل وكأنه نهار”.
لقد تم توثيق هذه الظاهرة بشكل جيد في أوائل شهر يونيو (جوان)، في عام 1783، وأعيد تسجيل الظاهرة في ليالي أواخر الشهر نفسه (من اليوم 26 إلى غاية اليوم 30).
كما تم وصف الحالة في وقت لاحق في اقتباس من « م. توشير» في فيروفلاي بتاريخ 30 يونيو عام 1908: “في الساعة الثامنة مساءً، كان من السهل جدا أن تميز الأغراض في الشوارع الخالية من الأضواء المصنّعة، لقد كان التوهج ملفتًا جدا، بسبب النقص في الفحم، لقد كان الظلام حالكا في الشوارع المقطوعة من الكهرباء.”
” في الساعة العاشرة ونصف مساءً لم أستطع أن أقوم بمراقبات أخرى. السماء كانت خالية جدا، مليئة بالنجوم التي تشع في الأفق. وبينما لم يوجد أي ضوء قمر، فإن كل تفاصيل الأراضي والسهول وحتى الجبال كانت مرئية. في الحديقة، كان من السهل تمييز الأشياء بدون أي صعوبة. كانت الحصى تشع في الأرضية المعتمة.”
“هذا التوثيق التاريخي محكمٌ جدا، حيث أنه على مر القرون، كانت المواصفات قريبة جدًا،” عقّب البروفيسور شيفيرد.
عمليّا، تعدّ المراقبات العصرية لليالي المتوهجة معدومة، إذ أن الباحثين المتخصصين في الضوء المتوهج أنفسهم لم يتمكنوا من رؤية ليلة متوهجة حقيقية بأعينهم. وحتى قبل حلول المصابيح المصنعة وانتشارها، كانت الليالي المتوهجة نادرة ومتمركزة جدًا. وقد قال البروفيسور بهذا الشأن: “لقد اختفت الليالي المتوهجة، لم يعد أحد يراها، لم يعد أحد يتكلم عنها أو يوثقها، ولكنها لا تزال ظاهرة مثيرة للاهتمام”.
ولقد علم البروفيسور شيفيرد بأمر المراقبات التاريخية وقد رأى حالات الليالي المتوهجة في بيانات الـWINDII -وهو راصد للرياح، الحرارة، ومعدلات الانبعاث. أطلق من قبل ناسا في عام 1991 – ولكنه لم يتمكن من تفسير الظاهرة. كما حاول البروفسور برفقة الدكتور تشو إيجاد الميكانيكا التي تجعل الوهج الضوئي يتزايد إلى أن يصبح مرئيا في أماكن محددة.
يتكوّن الوهج الضوئي بسبب انبعاثات من ألوان مختلفة للضوء نتيجةً للتفاعلات الكيميائية التي تحدث في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، ويتكون الجزء الأخضر من تفاعل ضوء الشمس مع جزيء الأكسجين، حيث يفصله إلى ذرات أكسجين منفردة. عندما تتجمع هذه الذرات مجددا، تطلق الطاقة على شكل فوتونات في القسم الأخضر من طيف الضوء المرئي، مما يعطي لونًا أخضر للسماء.
ولكي يتمكنوا من إيجاد العوامل المسببة لزيادة الوهج الضوئي، وبالتالي الحصول على ليالٍ متوهجة، قام الفريق بالبحث في بيانات الـ WINDII لمدة سنتين حتى يجدوا وهجا غير اعتيادي في السماء، مع استبعاد الشهب والشفق القطبي، اللذان لديهما طابعهما المميز.
لقد تعرف الكاتبان على إحدى عشرة حالة حدد فيها الـWINDII قفزة في مستوى التوهج الضوئي مما يجعله مرئيا للعين البشرية، اثنان منهما تم وصفهما بشكل مفصل في الدراسة.
وأخيرًا، لقد طابقوا بين الحالات وملاحظات الارتفاع والانخفاض في الموجات النطاقيّة، وهي الموجات العريضة في أعلى الغلاف الجوي والتي تحيط الكرة الأرضية وتتأثر من الطقس: فعندما تجمعت قمم موجات معيّنة، قامت بإنتاج ظواهر الليلة المتوهجة والتي بإمكانها أن تستمرّ لليالي عديدة في منطقة محددة.
كانت هذه الحالات أكثر توهجًا بما يقارب 4 إلى 10 أضعاف من توهج الضوء المعتاد، ومن المحتمل أن تكون السبب في تسجيلات ظاهرة الليالي المتوهجة في التاريخ.
كما يقدّر الباحثون، اعتمادا على بياناتهم، أنه، في منطقة معيّنة، تحدث الليالي المتوهجة المرئية مرة واحدة كل سنة، و تقتصر مراقباتهم على مُشاهدٍ للسماء ينظر من مكان بعيد على ليلة صافية، لا يظهر فيها القمر، مع عيون معتادة على الرؤية في الظلام.
يقدّر الباحثون بأن الليلة المتوهجة تحدث في مكان ما على الأرض، في خطوط طول مختلفة، تقريبا في 7% من الليالي، فإذا أراد عالم فلك أن يخوض تجربة الليلة المتوهجة شخصيا، فإن المؤلفان يرجّحان قدرة العلماء على توقع التوقيت المناسب، وذلك إذا قاموا بمراقبة تحركات الأمواج بشكل مستديم، لكي يتمكنوا من تحديد موعد تجمع قمم الموجات لتوليد هذه الظاهرة.
المصدر: هنا
ــــــــــــــــــــ
تدقيق لغويّ: Amira Bousdjira