يخطئ من يظنّ أنّه بوسعنا التعرّف إلى الطفل بطيء التعلّم بمجرّد النظر إليه، كون الرؤية غير كافية وليست علمية للنظر في أعماق الشخصية الانسانية ومعرفتها. ولعلّ الأمثلة الواضحة من التاريخ تخبرنا بعكس ذلك، فتحضرنا حالة كل من أديسون (Edison) ونيوتن(Newton) اللذان نعتبرهما خير دليل على عدم اصابة حكم معلّمَيهما حين وصفوهما بعدم قدرتهما على التعلّم وكان ذلك حكمًا خاطئًا.
الطفل بطيء التعلّم Slow Leaner
الطفل بطيء التعلّم هو الطفل الذي ينخفض مستوى عمره العقليّ عن عمره الزمنيّ بين انحرافٍ معياريٍّ واحد أو انحرافين معياريّين – أي أنّه أقل في تحصيله الدراسيّ عن تحصيل زملائه بنسبة تتراوح بين (8 أشهر إلى سنتين)، و هذا ناتج عن انخفاض القدرة العقلية لديه. ولكنّ هذا الانخفاض لا يصل إلى درجة التخلّف العقلي، فمستوى ذكائه يترواح ما بين ( 70- 90 ) درجــة على مقيــاس ستانفورد – بينيه، وعمره العقلي يتوقف نموه مبكرًا عند حوالي 13.5 سنة، في حين عمره العقلي يساوى عمره التحصيلي- أي ما يستطيع تحصيله هو كل ما يقدر عليه.
تشخيص الطفل بطيء التعلّم
من أجل تشخيص الأطفال بطيئي التعلّم لابدّ من القيام بتطبيق عدّة مقاييس منها: اختبار الذكاء للكشف عن مستوى ذكائه، واستخدام اختبارٍ تحصيلي للكشف عن مستواه التحصيلي.
خصائص الأطفال بطيئي التعلّم
1. الخصائص التعليمية: هؤلاء الأطفال لهم قدرة على التعلّم في حدود امكانياتهم واستعداداتهم، ولكنّهم يواجهون صعوبة كبيرة في برامج المدارس النظامية العادية، كما لا يستفيدون من البرامج المعَدّة لذوي التخلّف العقلي. ولهذا، فهم بحاجة إلى برامج خاصّة بهم، وأفضل هذه البرامج هي تلك المعَدّة من خلال التعليم المبرمج والتعليم الانتقائيّ، والتي تسمح لهؤلاء بالتحصيل الدراسي بما يتلاءم مع قدراتهم. وأن يتمّ التركيز على الخبرات النوعية وليس الخبرات الكمية(وذلك لمعالجة نواحي القصور لديهم مثل الكتابة والقراءة والّلغة…)، ممّا يجنّبهم مواقف الفشل والاحباط التي يواجهونها عند التحاقهم بالمناهج المعَدّة للأطفال العاديين.
2. الخصائص العقلية: يعاني هؤلاء الأطفال من ضعفٍ واضح في القدرة على التحليل والتفكير والتعبير، وضعفٍ في القدرة على اِدراك العلاقات بين المثيرات، وضعفٍ القدرات العقلية أيضًا كالانتباه والادراك، كما يعانون من ضعفٍ في تطوّر المهارات الّلغوية ويحتاجون إلى ممارسة الّلغة عن طريق الكلمات بصورة مستمرّة ليتحدّثوا عمّا رأوه أو سمعوه.
3. الخصائص النفسية: يعاني الطفل بطيء التعلّم من خبرات الفشل والاحباط نتيجةً لوجوده في نظامٍ تعليميّ لا يراعي خصائصه وقدراته العقلية، ممّا يؤدّي إلى نقص الثقة بالنفس والقلق والتوتر. وقد يؤدّي هذا إلى مشكلاتٍ نفسية لدى الطفل كالعدوان، أو الخجل والانسحاب، أو الخوف من المدرسة أو التسرّب من المدرسة.. والقائمة طويلة.
أعراض بطء التعلّم وكيفية اكتشافه:
1. الحركة المفرطة.
2. بطء استيعاب القراءة والكتابة.
3. تشتّت الانتباه.
4. صعوبة في الاستماع أو التفكير أو الكلام.
5. قد يبرز بطيء التعلّم في المهارات المهنية.
6. المستوى الدراسي منخفض في جميع المواد تقريبًا لذا يحتاج الطفل إلى متابعة من معلّم الصف أو معلّم خاص.
7. التعلّم البطيء يصاحبه غالبًا مشاكل في السلوك التكيّفي (مهارات الحياة اليومية، التعامل مع الأقران، التعامل مع مواقف الحياة اليومية).
أسباب بطء التعلّم :
1. ضعف التذكّر البصري.
2. ضعف الانتباه وقصوره.
3. عدم القدرة على التمييز.
4. محدودية الذكاء.
نظريات تفسّر بطء التعلّم
إنّ فهم النظريات المتعلّقة ببطء التعلّم تعدّ من المتطلّبات الأساسية للأشخاص العاملين في هذا المجال، لأنّ النظريات تساعد في التعرّف بدقّة على المشاكل التعليمية التي يعاني منها الأطفال بطيئي التعلّم، ولا تظهر قيمة نظرية ما بشكلٍ عام إلّا إذا خرجت من حيّز الفروض إلى حيّز التطبيق العمليّ. إليكم هذه النظريات:
أ. نظرية جتمان (Gttman)
اهتمّت نظرية (جتمان) بمظاهر النموّ البصريّ –الحركيّ وعلاقته بالتعلّم. وقد أوضح (جتمان) قدرة الطفل على اكتساب المهارات الحركية الادراكية في مراحل متتابعة ومتطوّرة، وكلّ مرحلة من هذه المراحل تعتمد على سابقتها. وهي:
1. نمو جهاز الاستجابة الأولى: وهو الجهاز المسؤول عن الانعكاسات الحركية الأولية التي يبديها الطفل منذ الولادة، مثل منعكس الرقبة والمنعكس التبادلي في حركة الجسم الاندفاعية وغير الاندفاعية، واسترخاء الجسم واستعداده، وكذلك منعكس اليد ومنعكس الضوء، وهذا الجهاز يعدّ العنصر الأساسي في عملية التعلّم المستقبلي.
2. نمو جهاز الحركة العامّة: وهو الجهاز الذي تعزى إليه عمليات الزحف والنهوض والوقوف(دون مساعدة)، وكذا المشي، الركض، القفز والحجل.
3. نمو جهاز الحركة الخاصّة: المسؤول عن الحركات التي تعتمد على المرحلتين السابقتين، وهذه الحركات تبيّن علاقة اليد بالعين، وعلاقة اليد بالقدم وحركة اليدين معًا، إذ لاحظ (جتمان) أنّ الأطفال بطيئي التعلّم لا يستطيعون قصّ الزوايا أو تكوين المربعات.
4. نمو الجهاز الحركي-البصري: تعتبر حركة العينين من العوامل المهمّة لنجاح التعلّم الصفّي، إذ تشتمل هذه الحركات البصرية على نقل البصر من منطقة إلى أخرى، ومتابعة الأجسام المتحرّكة، وقدرة العين على الحركة في كلّ الاتجاهات، والتركيز داخل غرفة الصفّ، وهذا له أثر كبير على عملية التعلّم الصفّي.
5. نمو الجهاز الحركي-الصوتي: يتضمّن الجهاز الحركي-الصوتي جهازين: الجهاز السمعي والجهاز الحركي-الصوتي، ويكون مسؤولًا عن مهارات المناغاة والتّقليد، والكلام. ويرى “جتمان” وجود ترابطٍ قويّ بين العمليات البصرية والّلغوية.
6. الذاكرة السمعية والبصرية والحركية: تتضمّن مقدرة الفرد على التذكّر، أو تخيّل أشياء في حالة عدم وجود المثير الحسّي الأصلي، وهو ما نطلق عليه في العادة اسم “الخيال”، ومن الممكن أن تكون ذاكرة آنية أو مستقبلية أو من الماضي.
7. الابصار أو الادراك : ويكون حصيلة تحقيق جميع المراحل السابقة.
8. الادراك الفردي للمفاهيم المجرّدة والتميّز والنمو العقلي
ويرى (جتمان) أنّ ثبات المراحل السّابقة، وحصول الطفل على تدريبٍ كافٍ لكلّ مستوى من المستويات الأساسية للتطوّر الحركيّ، يسهمان في التوصّل إلى المستوى الادراكي المناسب، أمّا العكس فيؤدّي بالطفل إلى بطء التعلّم.
ب. نظرية كيفارت (Giphart Theory)
ركّزت هذه النظرية على دراسة ثبات النموّ الادراكيّ– الحركيّ للفرد. اعتمد (كيفارت) في نظريّته على مبادىء علم النّفس النمائي، إذ يقول أنّ الطفل يبدأ بتعلّم ما في محيطه من خلال الحركة، أي أنّ بداية المواجهة ما بين الطفل وبيئته تكون من خلال بعض الأنشطة الحركية، وهذا السلوك الحركيّ يعدّ متطلّبًا قبليًا للتعلّم فيما بعد. فالطفل أثناء عملية نموّه الطبيعيّ يكتسب أشكالًا متنوّعة من الحركة تمكّنه من أن يطوّر تعميماتٍ حركية. وبناءً على هذه التعميمات الحركية يبني الطفل تركيبًا اِدراكيًا معرفيًا (Perceptual). حدّد (كيفارت) أربعة تعميمات حركية يمكن أن تساعد الطفل على النجاح المدرسيّ. هي:
– المحافظة على ثبات جسمه واتزانه بوجود قوة الجاذبية الأرضية أثناء حركته وانتقاله.
– التعميمات الحركية، مثل قبض الأجسام وتركها للتعرّف على خصائصها، إلى جانب تطوير مهارات ادراكه.
– الانتقال: ويتضمّن حركات الزحف والمشي والركض والقفز بهدف استكشاف بيئته ومحيطه، وتمييز العلاقات بين الأشياء في هذا المحيط.
– القوة الدافعة: وتشتمل على حركات الاستقبال، والدفع للأشياء الموجودة في محيط الطفل، كالامساك بها ودفعها أو سحبها.
ويرى (كيفارت) أنّ التدرّج الهرميّ للتعميمات الحركية السابقة بالغ الأهمية، فالأطفال الاعتياديون -حسب رأيه- يستطيعون تنمية عالمٍ من الخبرات الادراكية–الحركية الثابتة وتطويره في سنّ السادسة، أمّا حالة الأطفال بطيئي التعلّم، فعالم الخبرات الادراكية-الحركية عندهم غير ثابت، ومن ثمّ لا يوجد أساس ثابت للحقائق المتعلّقة بالعالم من حولهم، وهم بذلك غير منتظمين حركيًا وادراكيا ومعرفيا.
ولأنّ الأطفال لا يستطيعون فحص كلّ ما يحيط بهم واستكشافه عن طريق الحركة، فانّهم يتعلّمون فحص بعض الأشياء واستكشافها بطريقة ادراكية. وتكون المعلومة الادراكية اكثر قيمة وذات معنى أفضل وأوضح عند ربطها بمعلوماتٍ حركية تعلّمَها الطفل في السابق، وحقّقت تناسقًا فيما بينها، وهذا ما أطلق عليه “التطابق الادراكي –الحركي”.
إنّ الطفل الذي يعاني من بطء التعلّم لا يحقّق التطابق الادراكي–الحركي بشكلٍ ملائم، لذا فهو يعيش في عالمين منفصلين: عالم الادراك وعالم الحركة، فيحاول دائمًا أن يلمس الأشياء للمعرفة والتأكّد ممّا يراه، وذلك يؤدّي إلى عدم قدرته على ادراك الشّكل والوزن.
ج. نظرية دومان وديلكاتو (Delacto & Dooman)
لقد كان للطب –وخصوصًا طب الأعصاب- دورًا مهمًا في تشخيص بعض حالات بطء التعلّم ومعالجتها لدى الأشخاص الذين يواجهون صعوباتٍ في القراءة أو لديهم خللٌ دماغي.
أكّد كل من (دومان) و(ديلكتو) أنّ جسم الانسان يقوم بعدّة وظائف منها: المهارات الحركية، والكلام، والكتابة، والقراءة، والسّمع، والّلمس. وتحقيق هذه الوظائف بالشّكل الأمثل له أثرٌ مهم في نموّ الفرد نحو تنظيمٍ عصبيّ كامل للجهاز العصبيّ. فالأطفال العاديون يستطيعون أن يطوّروا تنظيمًا عصبيًا كاملًا لجهازهم العصبيّ، أمّا الأطفال الذين يعانون من بطء التعلّم بسبب خللٍ في نموّ إحدى الوظائف السّابقة، فإنّ هذا الخلل يؤثّر على الناحية العصبية، الأمر الذي يؤدّي إلى وجود خللٍ في الحركة والاتصال.
د. نظرية التأخّر النضجي
إنّ التعلّم والنضج مظهران مهمّان للنموّ، ويعتمد كل منهما على عوامل منها ما يختصّ بالنمو الداخلي، ومنها ما يختصّ بالوسط المحيط والبيئة الاجتماعية. ومعرفة النّضج والتطوّر المعرفي الطبيعي عند الأطفال يمكن اعتمادها للمقارنة بين الأطفال العاديين والأطفال بطيئي التعلّم، لأنّ وضع الطفل النضجي يؤثّر في قدرته على التعلّم. حسب نظرية التأخّر النضجي، الكثير من حالات صعوبات التعلّم تحدث بسبب دفع المجتمع للأطفال لأداء مهمات أكاديمية قبل أن يكونوا جاهزين لها. وممّا يزيد من حدّة بعض حالات صعوبات التعلّم هذه هو إجراء تجارب فوق طاقة الطفل واستعداده في مرحلة معيّنة من مراحل النضج. فحسب رأي (كيرك Kirk,1967)، الأطفال الذين يعانون من صعوباتٍ في التعلّم يميلون لتأدية وظائف مريحة ويجتنبون الوظائف غير المريحة، بسبب تأخّر عمليات معيّنة في النضج والتي لا تعمل بالصورة الملائمة.
وممّا يؤكّد ذلك، دراسة (كوتيتزد Qotetezed) التتبعية التي أجرتها على 177 حالة طفل بطيء التعلّم لمدّة (5) سنوات، والتي أثبتت وجود تأخّر نضجيٍّ لديهم، وأنّهم بحاجة إلى وقتٍ أكثر للتعلّم والنموّ لتعويض الاضطّراب العصبيّ، وكما بيّنت أنّه يمكن أن يحقّقوا نجاحًا أكاديميًا عند منحهم الوقت الكافي والمساعدة الّلازمة.
كيف يتعلّم الطفل بطيء التعلّم؟
يتعلّم الأطفال بطيئو التعلّم بنفس الطريقة الأساسية التي يتعلّم بها الأطفال الآخرون، وهي تكمن في استعمال خبراتهم السّابقة عبر وضع الأهداف والتفكير والتجربة والتعميم. عادةً ما يركّز الطفل بطيء التعلّم على معرفة الهدف من النشاط الذي يقوم به، وكذا معرفة النتائج المرجوة منه، فيودّ الوصول إلى النتائج دون التفكير في الاحتمالات الأخرى، وهذا عائدٌ إلى نقص التخيّل ونقص القدرات التنبئية بالنتائج مسبقًا مقارنةً بالأطفال العاديين. كما أنّه على استعدادٍ لقبول أقرب حل وأيّة نتيجة أكثر من كونه حذرًا في المواقف التي تواجهه. لهذا، يجب انشاء فصول خاصّة لهذه الفئة حتى تساعدهم على التعلّم.
الفصول الخاصّة للأطفال بطيئي التعلّم: هي فصول خاصّة اُنشئت في أحضان المدارس العادية، لتوفير الحدّ الأقصى من فرص دمج الأطفال بطيئي التعلّم مع أقرانهم العاديين، وتجنّب عزلهم عن البيئة المدرسية العادية.
الأطفال بطيئو التعلّم يتعلّمون ضمن فصولٍ خاصّة في بيئة المدرسة العادية، مع السعي لاشراكهم مع أقرانهم العاديين في الأنشطة الدراسية وغير الدراسية كلّما كان ذلك ممكنًا.
مميّزات الفصول الخاصّة:
– عدد الأطفال في كلّ فصل قليل بحيث لا يزيد العدد عن (10).
– تتوافر في هذه الفصول الوسائل والمعينات التعليمية لتوفير فرص أفضل لتعليم هؤلاء الأطفال.
– يتدرّب المعلّمون ويتمّ تأهيلهم للتعامل مع هذه الفئة.
– تعدّ المناهج لتتناسب مع قدرات الأطفال وحاجاتهم الخاصّة.
توما جورج خوري، 2002، الطفل الموهوب والطفل بطيء التعلّم، ط 01، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت_لبنان.
__________________
تدقيق لغوي: ريما أوتمون
بن يمينة هاجر