و كما ذكرنا في الجزء الأول من المقال، عن ماهية وأهمية العلاجات المضادة للتخثر، يمكن أن يصاحب استعمالها مخاطر؛ إذ أن جرعات غير مدروسة منها، يمكن أن تتسبب بأضرار للمريض، سواءًا كانت جرعة زائدة (خطر نزيف دموي) أو ناقصة (فشل العلاج في منع خطر الجلطات). لذا، فمن الضروري المتابعة الصارمة للأشخاص الذين يتناولونها، لتشخيص أي خلل في العلاج.
لنتابع في هذا الجزء الثاني، كيف تتم متابعة وضبط فعّالية وأمن هذه الأدوية.
مراقبة مضادات التخثر القابلة للحقن:
إن حقن بعض الأشكال من الهيبارين، يمكن أحيانًا أن يتسبب في نقصان معتبر لعدد الصفائح الدموية (العناصر الدموية التي تساهم في عملية تخثر الدم)، ما قد يتسبب في مضاعفات خطيرة أحيانًا. لذا فإن أخذ عينة من الدم أسبوعيًا، ضروري لمراقبة معدل الصفائح الدموية. هذه المتابعة لا تخصّ إلا علاجات معينة من مضادات التخثر القابلة للحقن.
مراقبة العلاج بمضادات الفيتامين ك:
عندما يتناول شخص ما مضادًا فمويًا للتخثر من عائلة مضادات الفيتامين (ك)، يتوجب عليه دوريًا مراقبة قدرة دمه على التخثر. إذ أن أي اختلال في العلاج، يمكن أن ينجم عنه أضرار جسيمة، كما سبق وأشرنا بالنسبة لمضادات التخثر بشكل عام، ولمضادات الفيتامين (ك) بشكل خاص؛ إذْ أنها عادة ما تكون كعلاج طويل المدى، واحتمال حدوث هذا الاختلال وارد.
ولأن فعّالية العلاج بمضادات الفيتامين (ك)، تختلف من مريض لآخر، حسب عدّة عوامل (تناول أدوية أخرى، أمراض أخرى موجودة، النظام الغذائي … إلخ)، فالجرعة المناسبة التي تضمن علاج آمن وفعّال تختلف كذلك. ولإيجاد هذه الجرعة، يجب أن يخضع المريض لاختبارات على عينات من دمه، لتقييم قدرته على التخثر. إن المقياس الذي تحدد من خلاله فعّالية مضادات الفيتامين (ك)، ومن ثمّ الجرعة المناسبة للمريض، هي النسبة المعيارية الدولية INR أو (International Normalized Ratio)، والتي تحدد سيولة الدم.
لدى الشخص الذي لا يتناول علاجات، تكون نسبة الـINR لديه 1. أما الذين يتناولون علاجات مضادة للتخثر، من عائلة مضادات الفيتامين (ك)، تكون هذه القيمة مرتفعة. وكلما كانت قيمتها أعلى، يأخذ الدم وقتًا أطول ليتخثر. عندما تفوق نسبة الـ INR القيمة 5، يصبح خطر حدوث نزيف دموي حقيقيًا.
يُقدّر لكل مريض -بحسب مرضه- نطاق أو مجال محدد لقيمة الـ INR، يضمن له علاج آمن وفعّال. فمثلًا، المريض الذي يتناول مضادات الفيتامين (ك) -لأنه يضع صمام قلبي اصطناعي- يجب أن تكون قيمة الـ INR لديه ما بين 2.5 – 3.5 ، والأمثل أن تكون وسطيًا 3.7. أمّا بالنسبة لمن عانى من احتشاء عضلة القلب، فيجب أن تكون بين 2 و 3، والأمثل أن تكون 2.5.
في بداية العلاج، تجرى فحوصات متكررة، حتى يحصل على قيمة ثابتة والمرجوّة للـ INR. فيما بعد، يصبح الاختبار إجراء روتيني منتظم، عمومًا مرّة شهريّا. لكن عند أي تغيير في نمط حياة المريضـ أو تناوله لدواء إضافي من شأنه التأثير في علاجه، يصبح من الضروري إجراء الفحص بوتيرة أعلى؛ لضمان فعّالية وأمن أمثل للعلاج.
من الضروري القيام بهذه الاختبارات بانضباط؛ إن إهمال المجال المحدد لنسبة الـINR أثناء العلاج، أو حتى عدم القيام بالمراقبة المناسبة، يعرّض المريض إلى عواقب التأثيرات الجانبية للعلاج. فمثلًا، في فرنسا تشير الإحصائيات، أنه من بين حالات دخول المستشفى بسبب تأثيرات جانبية للأدوية سنويًا، تكون زيادة جرعة مضادات الفيتامين (ك) هي السبب الأكثر انتشارًا في ذلك.
ولمساعدة المرضى الذين يتعالجون بمضادات الفيتامين (ك)، تقترح بعض الهيئات إعطائهم دفتر متابعة خاص، إذ أنه بالإضافة إلى نصائح تتعلّق بعلاجهم، يحتوي كذلك على قيم الـ INR المناسبة لحالتهم. ويتعيّن عليهم تسجيل نتيجة كل فحص يجرونه، ما يعطي متابعة مُثلى لعلاجهم، وما يساعد طبيبهم على تقييم فعاليته، ومن ثمّ تكييف وتحسين الجرعة التي يتناولونها.
في أغلب الأحيان، يتناول المرضى دوائهم ليلًا ( إذ أن مضادات الفيتامين ك يجب أن تُتناول في نفس التوقيت يوميًا)، في هذه الحالة، يكون أخذ عينات الدم لإجراء الفحص صباحًا (من غير الضروري أن يكون صائمًا). بعد الاطلاع على النتيجة، حذراي! -حتى لو كانت النتيجة خارج المجال المحدّد- لا يجب أبدًا تغيير جرعة الدواء، بدون رأي الطبيب المعالِج.
مراقبة العلاج بمضادات التخثر الفموية الجديدة (المباشرة):
ككل مضادات التخثر، قد يصحب استعمال هذا النوع خطر حدوث نزيف دموي، وقد يكون خطير أحيانًا. إلا أنه لا يوجد مقياس بيولوجي، يمكِّننا من مراقبة أمانها، إذ أن الفحوصات التقليدية، كنسبة البروثرومبين (Prothrombine Index/Taux de Prothrombine)، أو زمن الثرومبوبلاستين الجزئي (Partial thromboplastine time PTT/ temps de céphaline activée) -والتي تستعمل عادة لتقييم تخثر الدم- غير ملائمة لهذه الأدوية.
ولتقدير هذا المخاطر، تخضع هذه الأدوية، لمراقبة مكثفة في نظام اليقظة الدوائية (pharmacovigilance)، خاصة مخاطر النزيف الدموي المتعلق باستعمالها، لذا فإن أي علامة أو عرض يشير لخطرحدوث نزيف، يجب أن يتم الإبلاغ عنه فورًا، على غرار: وجود الدم في البول أو في الفضلات، نزيف اللثة، الزرقة الفجائية، تعب غير طبيعي، شحوب بارز.
تجدر الإشارة إلى أن المعدل الطبيعي لزمن البروثرومبين هو: 11-14 ثانية، بينما المعدل الطبيعي لزمن الثرومبوبلاستين الجزئي هو: 25-35 ثانية.
المصدر هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي: Mohammed Diab
تدقيق علمي: Jehad AbulRob