تقدّم العلم كثيرًا خلال العقدين المنصرمين، فقد استطاع الإجابة على الكثير من الأسئلة التي ضلّت عصيّةً لسنواتٍ طِوال، لكنّ بعض الأسئلة لم يجد لها جوابًا شافيًا، أهم هذه الأسئلة “كيفية ظهور الحياة على الأرض”.
ومع ذلك فإنّ مجموعةً من علماء الأحياء والفيزياء في ألمانيا ربّما قد وجدوا تفسيرًا لكيفية تطور الخلايا في بداية تكون الحياة.
في عام 1924 اقترح العالم الروسي ألكسندر أوبارين (Alexander Oparin) أنّ أول خليةٍ حيةٍ قد تطوّرت من قطراتٍ سائلةٍ “اللبنات الأولية للخلايا(Protocells)”، حيث يعتقد أوبارين أنّ هذه القطرات السائلة كانت بمثابة وعاء تَكوَّن بشكلٍ طبيعي وهو خالي من أي غشاء حيوي، ويضم هذا الوعاء بداخله مواد كيميائية مركّزة ويساعد هذه المواد على التفاعل.
من أجل السعي لمعرفة أصل الحياة، قام فريق من العلماء -فريق من معهد ماكس بلانك للفيزياء والأنظمة المعقّدة، وفريق من معهد ماكس بلانك لبيولوجيا الخليّة الجزيئية وعلم الوراثة في مدينة دريسدن- انطلاقا من نظرية اوبارين بدراسة الخواص الفيزيائة لقطراتٍ نشطة كيميائياً (تقوم هذه القطرات بتدوير الجزيئات مع السائل الذي يحيط بها)، ووجد العلماء أنّ القطرات الفعالة كيميائيًا تنمو إلى حجم معيّن ثم تنقسم من تلقاء نفسها، على عكس أنواع القطرات (السلبية) كقطرات الزيت مع الماء التي تستمر بالتضخم عند إضافة الزيت لها.
هذا الإنقسام يحاكي إنقسام الخلايا الحيّة، وبناءًا على هذا يمكن أن يكون هذا الإكتشاف هو الوصلة بين الحساء البدائي غير الحي الذي ظهرت الحياة منه والخلايا الحية التي تطورت لتكوِّن كافة أنواع الأحياء الأخرى على الأرض.
يعتقد البعض أنّ هذه اللبنات الخلوية الأولية (القطرات السائلة) لازالت موجودة (مستحاثة) في داخل نضامنا الخلوي (كما يوجد الذباب متحجرًا في حجر الكهرمان)، لمعرفة صحة هذه النظرية قام فريق من العلماء بقيادة ديفد زويكر (David Zwicker) بدراسةٍ فيزيائيةٍ للجسيم المركزي (Centrosomes) -وهو عبارة عن عضيّاتٍ تنشط عند حدوث عملية الإنقسام الخلوي- استخدم الفريق نموذجًا تجريبيًا غير متوازنٍ يحتوي على الجسيم المركزي في حالة نشطة ويقوم بتدوير البروتينات مع السائل السيتوبلازمي المحيط به، وسلكت البروتينات في هذه التجربة سلوكين، سلوك قابل للذوبان (الحالة أ) وسلوك غير قابل للذوبان (الحالة ب).
باستخدام مصدر للطاقة أمكن تحويل البروتين من (الحالة أ) إلى بروتين من (الحالة ب) عن طريق تجاوز الحاجز الكيميائي. بما أنّ هناك مصدر للطاقة فإنّ هذا التفاعل الكيميائي يمكن أن يحدث، وفي حالة اللبنات الأولية كان ضوء الشمس هو مصدر الطاقة.
يعتقد أوبارين أنّ ضربات الصواعق أو الطاقة الحرارية الجوفية كانت السبب في إثارة وبدء هذه التفاعلات في سائل اللبنات الاولية.
الخطوة التالية هي معرفة متى طورت هذه اللبنات الأولية (القطرات السائلة) القدرة على نقل المعلومات الجينية. يعتقد العلماء أنّه في وقت ما عندما قامت الخلايا البدائية بتكوين أغشية خلوية (يرجح أنّها كوّنت الأغشية الخلوية باستخدام القشور (Crusts) التي كانت تحيط بالدهون لعزلها عن سائل اللبنات الأولية)، وكنوع من الحماية لما يوجد في داخل اللبنة الأولية بدأت الجينات بحفظ معلومات تكوين الغشاء الخلوي على شكل شفرة جينية ( Genetic code)، ويبقى هذا مجرد إفتراض ويحتاج إلى المزيد من التجارب.
إذا كانت الحياة على الأرض قد بدأت كما يبدو من شيءٍ بسيطٍ كقطرة سائل (اللبنة الاولية) فربما يمكن أن يحدث المثل على كواكب أخرى غير الارض. على أي حال فهذه الدراسة تساعدنا على فهم كيفية ظهور الحياة من موادٍ بسيطةٍ وتفاعلاتٍ كيميائيةٍ حوّلت تلك المواد الى حياة نعيشها الآن.
الطاقة والوقت الذي استلزمته اللبنات الأولية للتحوّل إلى خلايا حية والخلايا إلى أجزاء أكثر تميزًا وتخصّصًا وتحوّل هذه الأجزاء إلى كائناتٍ معقدة لا يزال أمرًا محيرًا.
المصدر: هنا
ــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي: عماد الدين فرفاش